تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سفينة العولمة تجنح !!

شؤون سياسية
الأحد 21/9/2008
د حيدر حيدر

أصاب آلان غرينسان الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي كبد الحقيقة عندما أكد أن الأزمة الاقتصادية الأميركية الحالية أكبر بكثير من أن تستطيع كلمات الرئيس جورج بوش «المطمئنة» حول تعافي الاقتصاد قريباً أن تؤثر في مساراتها الكارثية مؤكداً أنها من النوع الذي يحصل مرة واحدة في كل قرن.

إذاً إعصار الساحة المالية الأميركية والذي أصاب وول ستريت وأدى لإفلاس مؤسسة ليمان براذرز المالية, إضافة للمصاعب المرتقبة لمؤسسة التأمين العملاقة ايه آي جي, وهي الأكبر في العالم وفشل الإجراءات المالية التي تم تنسيقها بين مختلف المصارف المركزية في العالم. كل هذا أدى وسيؤدي إلى نتائج مدمرة على المستوى الاجتماعي لمئات ملايين البشر في أنحاء العالم.‏

فهل نستطيع الاستنتاج بأن مسار سفينة العولمة الاقتصادية والتي تقودها الولايات المتحدة يجنح نحو المجهول المخيف?! الأرقام تؤكد أن خمس سكان العالم يعيشون فقراًمدقعاً والثلث يعيشون على ضفاف الفقر والعوز, فأسعار الغذاء والطاقة ترتفع بشكل جنوني وهي أشبه ما تكون ب «تايتنيك الغارقة» برأي الخبراء يقول غرينسان وهو المشهود له بخبرته الطويلة ومصداقيته العالية إن اعتماد 150 مليار دولار لانعاش الاقتصاد الأميركي لا تعدو أكثر من كونها أشبه بكلام المداخلات وضاربات الودع والفنجان نهاية وبداية كل عام.‏

وكما يرى العديد من المختصين فإن الأزمة المالية لا تتجلى فقط في أزمة الرهن العقاري وإنما في المؤشرات الاقتصادية والمالية والتسويقية كافة , وبالتالي يتوقعون مزيداً من حالات انهيار المؤسسات المالية وقد تقود إلى ركود اقتصادي وستترك آثارها على الاقتصاد العالمي.‏

وإذا عدنا إلى الداخل الأميركي فالأمور سيئة للغاية فهناك 15 مليون منزل عرضة لقطع الطاقة عنه جراء عدم تسديد الفواتير وهناك 30 مليون أميركي ليس لديهم ما يكفي من الطعام.‏

إن في مجال الوظائف فقد الأميركيين العام الحالي 605 آلاف وظيفة كما أن نحو 1,5 مليون أسرة أميركية فقدت منازلها نتيجة أزمة القروض السكنية, أما إفلاس المصارف فهو مسلسل لا ينتهي ولايبدو أن العام القادم سيكون أفضل من الحالي ويتساءل الخبراء حول ارتداد أزمة العولمة الاقتصادية وأزمة الرأسمالية العالمية إلى عقر دارها أي الولايات المتحدة , وكما جرت معضلات كبرى للبشرية تمثلت في ازدياد الجوع والفقر في العالم وإلى أزمات لا تنتهي في الدول الفقيرة المكبلة بنماذج اقتصادية تجعل التنمية مستحيلة في هذه البلدان جراء وصفات جاهزة للمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واللذان يمثلان الرأسمالية العالمية وعولمتها أصدق تمثيل نقول وكما تسببت في أزمات كبرى للدول الفقيرة, فإن الأزمة الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة ينبغي أن تؤدي إلى مراجعة حقيقية للعوامل الحقيقية والأسباب البعيدة والقريبة لها فعلى سبيل المثال فإن حركة الاحتجاجات والإضرابات في الولايات المتحدة قد ازدادت في المؤسسات المتوسطة والصغيرة وهو تمثل 40% من الاقتصاد الأميركي, ورغم ذلك لم يقم الإعلام الأميركي بتغطيتها, لقد لعبت الإدارة الحالية بسياساتها الرعناء في الداخل والخارج دوراً كبيرا في إذكاء الأزمة الاقتصادية الحالية وهو ما أشارت إليه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت بقولها: إن الولايات المتحدة تسير بالاتجاه الخطأ في سياستها الخارجية وهناك شعور لدى دول العالم بضلوع واشنطن في إيجاد وتوسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء, فهل ستؤدي مشكلات الاقتصاد الأميركي الحالية إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي? وهل سيكون له تأثيرات سلبية على العالم بأسره? الخبراء يؤكدون أن زلزال الأزمة الأميركية مرتبط بالاقتصاد العالمي وأن ارتدادات هذا الزلزال ستؤثر على الاقتصاد الأوروبي والآسيوي الخ ,.. لأن مشكلات الاقتصاد العالمي مرتبطة بالعولمة الاقتصادية والتي لا يهمها سوى تحقيق مزيد من الأرباح ولو أدى ذلك إلى خراب العالم.‏

وقد أفصح عن هذا الأمر روبرت زوليك رئيس البنك الدولي عندما اعترف بالخطأ في تقدير القيمة الحقيقية للتحول إلى اقتصاد السوق, حيث كان من المفترض والكلام لزوليك تركيز الجهود لرصد السياسات التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية, فهل يعاد النظر في استراتيجية العولمة الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة ,وبالتالي العودة إلى التعاون الدولي الذي تخلت عه إدارة بوش لصالح أطماع الشركات العملاقة أم أن الجشع سيظل يعمي أبصار أصحاب شركات السلاح والطاقة? ماسيؤدي إلى تفاقم الأزمة وبالتالي سيؤدي إلى صراعات مدمرة يشهدها عالمنا المعاصر ما لم يتدارك الكارثة المحيقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية