|
الغارديان على مسافة سبعين مترا وعبر جهاز التسديد في بندقيته, كان بإمكان ( عساف) ادراك, أن الرجل الفلسطيني عمره بين العشرين والثلاثين, أعزل ويحاول الهرب من وجه الدبابة الإسرائيلية. ولكن التفاصيل لا تهم كثيرا, لأن أوامر (عساف) كانت اطلاق النار على أي شيء يتحرك . (عساف) جندي في الجيش الإسرائيلي, ضغط على الزناد مطلقا الكثير من الرصاصات حتى عندما هوى الجسد ارضا. ويقول : (لقد ركض ,و بدأت اطلاق النار لعدة لحظات, سقط ارضا كنت آلة اطلق النار ثم اتوقف. هذا كل ما في الأمر ولاحقا لم نتحدث عما جرى). كان ذلك صيف 2002 ,حين أمر عساف ووحدته المصفحة بدخول قرية دير البلح في غزة بعد اطلاق مدافع الهاون في المستوطنات اليهودية المجاورة. وكانت الأوامر كما قال : لل(غارديان) أي شخص تراه في الطريق ,اقتله) وكنا نقوم بذلك تماما . لم تكن هذه المرة الأولى التي يقتل فيها (عساف ) شخصا بريئا في غزة تنفيذا للأوامر, ولكن بعد انتهاء خدمته أخذ يفكر بالأشياء التي قام بها .ويقول : السبب وراء إعلامكم بذلك هو أنني أريد من الجيش التفكير فيما يطلبون منا عمله , قتل أشخاص عزل ,لا اعتقد أن ذلك شرعي ) (عساف) ليس الوحيد, فمنذ اشهر قليلة تطوع العشرات من الجنود بما فيهم ابن جنرال إسرائيلي, انهوا خدمتهم حديثا, للمشاركة بقصصهم حول كيف كانوا يؤمرون ,وباختصار بإطلاق الرصاص حتى الموت على الناس العزل دون الخوف من المحاسبة. وهؤلاء الجنود اتصلوا ب ال( غارديان) بمساعدة جماعة (تحطيم الصمت ) وهي جماعة ضغط مؤلفة من جنود سابقين يريدون من المجتمع الإسرائيلي مواجهة حقيقة نشاطات الجيش وقد أكدت الجماعة على عدم ذكر أسماء الشهود لحمايتهم من المضايقة أو المقاضاة . ورغم العدد القليل للمتحدثين ,فإن شهاداتهم تعكس ثقافة الحصانة السائدة وكما تقول (ساريت ميشايلي) من مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بتسيليم) : (خلال الانتفاضة الأولى كانت هناك قواعد ارتباط مدونة ولكن في الثانية لم يكن الامر كذلك والقواعد الموجودة بقيت سرا مما ترك مجال التفسير واسعا أما الضباط والجنود ). وكما ذكرت (بتسيليم ) فإن ثلاثة آلاف ومائتين وتسعة وستين فلسطينيا قتلوا بيد القوات الإسرائيلية ويعتقد أن الفاً وسبعمائة منهم مدنيون وستمائة وأربعة وخمسين من القاصرين . ووفق معلومات الجيش, تم بنفس الفترة التحقيق في مائة وإحدى وثلاثين حالة . عن استخدام الجنود الخاطئ للأسلحة النارية وأسفر الأمر عن ثماني عشرة تهمة وسبع ادانات ونتيجة للشهادات التي سمعتها ال( غارديان) وجماعة (تحطيم الصمت ) فإن النواب العامين في الجيش يبحثون في سبع عشرة حالة أخرى حول نشاطات إجرامية . أعداد الوفيات وشهادات الجنود والادانات القليلة تبدو وكأنها تعارض الأهداف المعلنة للجيش الإسرائيلي والقائلة:( لا يستخدم الجنود أسلحتهم والقوة لإيذاء أشخاص ليسوا بمقاتلين أو أسرى حرب .ويقومون بكل ما بوسعهم لتجنب إلحاق الضرر بحياتهم وأجسادهم وكرامتهم وممتلكاتهم ) . هذا ماورد في موقع الانترنيت التابع (للجيش الإسرائيلي) والذي تقول تعليماته وبوضوح حكم القانون فوق المصلحة العسكرية إذ يقول : (يجب أن يكون جنود قوة الدفاع الإسرائيلي حذرين في إعطاء أوامر قانونية فقط ويحجموا عن إطاعة أوامر غير قانونية بشكل واضح ). ورغم شعور تأنيب الضمير المتعلق بالشرعية ,فإن (عساف) يقول بأنه لوعاد للخدمة الاحتياطية فسيقوم بتنفيذ الأوامر نفسها . جندي آخر اسمه (موشي) اخبر ال( غارديان )بأنه وزملاءه تعرضوا للضغوط من اجل طاعة الأوامر غير الشرعية التي تقتضي الرمي بالرصاص حتى القتل, وكجزء من دورته التدريبية تلقى هو وزملاؤه المتمرنون أوامر بنصب كمائن في جنين أيار ,2003 وقال بأنه وجد ضغوطا بإمكانية تعرضهم للقتل. قبل العملية تلقى الجنود تعليمات أساسية تقول إن عليهم البحث عن الرجال المسلحين , ولكن أهدافهم تضمنت أيضا اطفالا ومراهقين عادة ما يقومون بالتسلق على العربات المصفحة الناقلة للأشخاص حين مرورها عبر الحارات الضيقة. ويقول موشي:( اخبرنا بوضوح أننا كنا ننتظر تسلق احدهم العربة, ثم امرنا بالرمي حتى الموت, بعد يوم أو اثنين تسلق طفل في الثانية عشرة إحدى الناقلات ودارت تخمينات كثيرة حول عمره, أولاً قيل انه في الثامنة ثم في الثانية عشرة وعلى كل الأحوال ما قام به هو التسلق على الناقلة المصفحة وبعدها قام واحد من رماتنا بقتله . وفي الجوار وقع حادث مشابه مع طفل أو مراهق وقد قتل أيضا ). الإحصائيات التي قامت بها مجموعة مراقبة حقوق الإنسان الفلسطينية تظهر انه في الرابع عشر من ايار قتل ضياء غوادريه (13 عاما ) برصاص حي واطلق الإسرائيليون النار على كمال أمجد نواهده (13 عاما ) في 22 ايار ومات في 27 ايار . بعد عودة (موشي) إلى وحدة المظليين قال بأن هناك حوادث كثيرة قتل فيها فتيان وأطفال بعد أن أصيبت صدورهم بالرصاص الذي صوب على ارجلهم . والوضع كان كما قال:( قتل الكثير من الأطفال. وبالنسبة لجندي هذا لا يعني شيئا ,ويحصل الضابط على غرامة مئة أو مئتي شيكل لعمل كهذا ). الفكرة المشتركة في شهادات الجنود هي الرغبة بالانتقام للإصابات الإسرائيلية وانزال العقاب الجماعي بالفلسطينيين . ايار 2004 كان شهرا سيئا بالنسبة للجيش الإسرائيلي في غزة, حيث قتل أربعة جنود عندما اصطدمت ناقلة أشخاص مصفحة وتحمل متفجرات بقنبلة على طرف الطريق في مدينة غزة . كما قتل سبعة آخرون في حادث مشابه في رفح , ورداً قام الجيش بشن حملة لضمان الجوار على طول خط فيلادلفيا ( الحدود بين غزة ومصر ) والتأكد بأنها خالية من رجال المقاومة وذلك حسب قول اللواء (دان هاريل) الآمر المحلي . نفي آلاف الفلسطينيين من بيوتهم ومات حوالى خمسين نصفهم مدنيون . وكما قال:(رافي) ,وهو ضابط في وحدة شيلداغ التابعة للقوى الجوية:(المهمة بأسرها كانت مسألة ثأر ولقد قال القادة اقتلوا أشخاصا قدر المستطاع) . لقد أمر هو ورجاله باطلاق النار على أي شخص يظهر بأنه يلمس الأرض وكأنه يضع قنبلة على الطريق أو على أي أحد على سطح مبنى أو شرفة فربما كان يراقب القوات الإسرائيلية لأسباب عسكرية بغض النظر عن كونهم مسلحين أم لا . (أسماء مهاجر ) 16 سنة وأخوها احمد 13 سنة تعرضا للرصاص حين كانا يجمعان الملابس من حبل الغسيل على سطح منزلهما واكد الجيش الإسرائيلي أن الطفلين انفجرا بقنبلة على طرف الطريق ولكن الصحفيين الذين زاروا معرض الجثث قالوا انهم رأوا آثار رصاصة واحدة في الرأس : أما الحقيقة حسب قول (رافي) فهي انهما كانا ضحية رصاص جندي إسرائيلي اتبع أوامر واضحة بإطلاق النار على أي شخص على السطح بغض النظر عن دوره في الصراع . يقول (رافي) إن الانطباع المهيمن حول العملية انها (فوضى ) أو (استخدام للقوة دون تمييز) وقد اعتبرت غزة ملعبا للرماة الماهرين. (ايلي) رقيب أول في وحدة المظليين وقد ارسل في مهمة اعتقال إلى معسكر (عسكر) للاجئين في نابلس في 27 تشرين الثاني 2002 خلال شهر رمضان . ورأى مجموعة أخرى من الجنود وقد لاحظت وجود رجل في الطريق في الصباح الباكر. وصرخوا باللغة العربية :(قف) وبدأ الرجل بالركض وأخذوا باطلاق النيران عليه واللحاق به ويتذكر (ايلي) :( لقد رأوا شيئا يحمله وخافوا أن يكون قنبلة واطلقوا النيران عليه ولتأكيد قتله القوا عليه قنبلة ثم اطلقوا عليه النار تارة أخرى وفي رأسه ) . الرجل اسمه جهاد محمد الناطور 24 عاما وكان يحمل بيده طبلة لإيقاظ المخيم قبل الفجر حتى يأكلوا من اجل الصيام وهذا تقليد متبع ويسمى الطبال ب(المسحراتي ). في شهادته تذكر (آفي) كيف لم يتحمل الجنود في وحدته مسؤولية قتلهم فلسطينيا بريئا, و(آفي ) كان يعمل رقيبا أول في وحدة المظليين وفي 13 تشرين الأول 2000 سمع أحد رجاله يطلق النار من نقطة المراقبة ويقول :( كنا نعلم أن الرجل مجنون ) . وقد انكر الجندي اطلاقه للنار الأمر الذي تناقض مع شريط فيديو يظهر أحدهم وهو يطلق النار نحو الساحة تجاه رجل يخرج بعض الأشياء من سيارته, رجل في العشرينات وقد أصيب في ظهره وبعد يوم مات الرجل واسمه (منصور طه احمد 21 عاما وهو تاجر بن وترك وراءه زوجة وثلاثة أطفال ويقول:(آفي) :(قرر قائد المجموعة التكتم على الأمر وأخفى شريط الفيديو عن الأنظار وقام الجندي بأعمال شاقة لمدة خمسة وثلاثين يوما وبعد ذلك عاد للمجموعة ..) كل الجنود , باستثناء عساف, صدموا من تجاربهم ولكن لم يعرفوا كيفية التصرف ويقول : (رافي) الإيمان بمبادئ الجيش الإسرائيلي أمر أساسي في المجتمع الإسرائيلي والناس لا تريد سماع الحقيقة الكولونيل (ليرون ليبمان) , النائب العام الأول في الجيش, قال بأن الشهادات التي اضافتها جماعة (تحطيم الصمت) ادت إلى سبعة عشر تحقيقا بعضها لا يزال مستمرا وزعم بأن التحقيق في الشهادات اظهر وجود مبالغات . ولكن الأحداث التي ذكرت من قبل الجنود لل(غارديان) وجماعة (تحطيم الصمت) تتماشى مع أرقام الوفيات التي سجلتها مجموعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام ويقول ( ليبمان ) إن قسمه كان مستقلا عن الجيش ,والتحقيق بالجرائم أثارته تقارير وسائل الإعلام ومنظمات غير حكومية ومصادر فلسطينية وشكاوى من داخل الجيش وأضاف: (ولكن وبسبب طبيعة, الوضع الذي يصنف بصراع مسلح دون الحرب, فإنه من غير الممكن التحقيق في موت كل مدني فلسطيني ). |
|