|
مراسلون وتحقيقات وكأن مثل هذه المناسبات تشرع للتجار وأصحاب المحال التجارية التلاعب بالأسعار واستخدام أساليب التدليس والتلاعب المختلفة, وأكثر الحاجات التي تتعرض لكثير من الانفلات ألبسة الأطفال والأحذية وذلك بسبب الإقبال المتزايد على شرائها من جانب المستهلكين, وكان من الملاحظ خلال الأيام الماضية أن غالبية أصحاب المنشآت الصناعية التي تقوم بانتاج الألبسة أخذوا موقفا سلبيا ومعارضا للقرار الذي أصدرته وزارة الاقتصاد وسمحت بموجبه للتجار باستيراد الألبسة من الأسواق الخارجية العربية منها وغير العربية, وهذا الرفض لمثل هذا القرار إذا كان يعني شيئا فهو أول ما يعني أن هناك عددا ضئيلا من المنشآت الصناعية تقوم باحتكار هذه الصناعة وتحديد الأسعار وفقا لمصالحها دون النظر إلى حقيقة التكلفة وهوامش الأرباح التي يتعين الأخذ بها مثل ما هو معمول به في أسواق العالم في السماح باستيراد الألبسة سوف يعني وببساطة أن المنافسة ستشهد حضورا ليس مسبوقا, ما يعني أن أسعار الألبسة ستشهد انخفاضا, كما أن الجودة ستمضي باتجاه الأفضل ومثل هذا الأمر قد يؤدي مع مرور الزمن إلى إغلاق مئات المنشآت الصناعية التي كانت تحتكر السوق المحلي من بابه إلى محرابه. وبغض النظر عن مثل هذا القرار الذي يتوافق مع سياسة اقتصاد السوق التي اختارت الحكومة الأخذ به خلال العام الحالي, نعود مرة أخرى إلى جوهر موضوعنا لنسأل: أين المبررات التي تجعل أسعار ألبسة الأطفال تفوق في معظمها أثمان ألبسة الكبار من الرجال والنساء.. وعلى وجه التحديد عشية قدوم الأعياد?! مثل هذا السؤال سبق وأثير في المنابر الإعلانية طيلة عقود طويلة من الزمن, وغير أن الإجابات التي تصدر عن الجهة المنتجة أو الجهات المعنية في معالجة هذه القضية, كانت وما زالت تأخذ بذرائع ومبررات غير مقنعة, وذلك على الرغم من علم هذه الجهات أن الارتفاع الفلكي لأثمان الألبسة يشكل عبئا حقيقيا على ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون الغالبية العظمى من شرائح المجتمع.
كما أن هذا التلاعب في الأسعار إذا كان من جانب منه يعود الى سياسة الحماية للصناعة الوطنية التي أقرتها الحكومات المتعاقبة على مدار عقود من الزمن, فإن مثل هذه السياسة باتت في طريقها الى الانحسار, ما يعني أن هذه السياسة وبدل أن تساعد أو تشجع المنتجين على التقيد بهوامش الربح المرضية وفي تحقيق جودة توازي هوامش المعمول بها, فإن هؤلاء الصناعيين والمنتجين أخذوا بالمفهوم العكسي, ومثل هذه العوامل قد تؤدي في المستقبل القريب الى إغلاق المنشآت الصناعية- مثلما سبق وذكرنا- وذلك كنتيجة جوهرية وأساسية لسياسة الانفتاح الاقتصادي وتسيد مفهوم المنافسة. ولعل الأمر المعروف أن ارتفاع أسعار الألبسة يعود في بعض جوانبه الى مجموعة من الأطراف, والمسؤولية في ذلك لاتنحصر على جهة بعينها, فصاحب المنشأة الصناعية التي تقوم بتصنيع المنتج, وتاجر الجملة والمفرق, وقصور أداء الجهات الرقابية, وغرف الصناعية والتجارة.. جميع هذه الأطراف مسؤولية- وإن بنسب متفاوتة- وللدلالة على مثل هذا الكلام والذي لا يضيف أي جديد مختلف عن واقع الحال في سنوات ماضية, يكفي القيام بجولة قصيرة وعشوائية الى بعض الأسواق في مدينة دمشق أو غيرها من المدن السورية, فعلى سبيل المثال وليس الحصر, أحد المتاجر قام بعرض طقم ولادي مكون من ثلاث قطع بسعر (2900) وبعد جدل استمر لدقائق مع صاحب المتجر, وصلت نسبة الحسم الى نحو (1000) ليرة ومتجر آخر دون على لصاقة معطف ولادي (2100) ليرة , وأيضاً . وصلت نسبة الحسم التي يطلقون عليها مجازا ب(السكرة ) 800 ليرة, ومثل هذه الامثلة التي اتينا على ذكرها ,تشير وبكثير من الوضوح على أن تلاعبا فاضحا يحيط بأسعار هذه الألبسة, ذلك أن الحسومات الكبيرة التي تلقى قبولا من جانب اصحاب المحال التجارية تعني وببساطة بأن لا معنى للفواتير التي يتسلح بها هذا التاجر اوذاك حين يضطر في بعض الحالات اظهارها للجهات الرقابية التي تقوم بين الحين والآخر بجولات شبه شكلية بعد ان سبق لوزارة التموين قبل سنوات الأخذ بسياسة تحرير الاسعار . وإذا كان واقع حال الاسواق على هذه الدرجة من الفوضى والانفلات فإن السؤال المشروع: ما المعايير التي تدفع بصاحب هذا المتجر او ذاك الى حسم ما نسبته مئة بالمئة من اساس السعر المدون على المنتج ?! واذ كان صاحب المتجر والذي هو تاجر المفرق قد تخلى عن تلك النسبة المرتفعة من اساس السعر المدون على اللصاقة فبهذه الحالة ماذا عن حقيقة ارباح المنتج وتاجر الجملة ?! المعلومات التفصيلية التي سبق وان اثيرت غير مرة في هذا الجانب ومن خلال المنابر الاعلامية, تقول: إن هناك نسبة 20 بالمئة من الارباح تعود الى المنتج , و7 بالمئة لتاجر الجملة و20 بالمئة لباعة المفرق ,وفي مواجهة هذه الارقام, فإن البيع والشراء في السوق المحلية لا يمت ولا بأي صلة لمثل هذه الحقائق, وبالاتكاء على مثل هذه الوقائع, فإن فقدان الثقة بين المنتج والمستهلك بات يشكل معيارا في آليات البيع والشراء, ولولا هذه الحقيقة لما لجأ المستهلك لاستخدام اساليب المساومة والجدل مع اصحاب المحال التجارية ,مع أن مثل هذه الآليات في البيع والشراء لن تسهم لا من قريب ولا من بعيد في التأسيس الى أنماط وتقاليد تجارية, وانما اسهمت والى حد كبير في ترسيخ مفهوم (اضرب واهرب) ومثل هذا المفهوم, كان قد شكل سببا جوهريا في تراجع الصناعات النسيجية الوطنية والاساءة الى سمعتها في السوقين الداخلي والخارجي, حتى أن بعض التقارير التي تصدر بين الحين والآخر عن بعض الجهات الرقابية, اشارت اكثر من مرة الى ان نحو 50 بالمئة من الالبسة مخالفة سعريا, و15 بالمئة مخالفة لجهة المواصفات والجودة.
ومثل هذه الحقائق غير السارة ساعدت بطريقة او بأخرى على تراجع وتائر تصدير الالبسة, مع ان السوق الخارجية لطالما شهدت قبل عقود من الزمن إقبالا على هذه الصناعة ,بل ان الصناعة النسيجية السورية كانت ومنذ ستينيات القرن الماضي ولغاية نهاية السبعينيات قد شهدت رواجا قل مثيله في كثير من دول العالم, حتى ان بعض الماركات مثل (الدامسكو) لطالما مثل إغراء للتجار في بلدان اوروبا والدول الصناعية الكبرى . وحالات الفوضى التي تشهدها اسواقنا لجهة الالبسة لا تتمثل فقط في الجانب السعري وحسب, وانما هناك طرائق اخرى في اساليب التدليس وصلت الى حدود تكاد لا تصدق, ومن يقصد اسواق الالبسة في هذه الايام, سوف يلحظ ودون اي عناء , ان اصنافا لا حصر لها من الملابس تباع دون ان تحمل علامات تشير الى مصدرها, ولا حتى (الماركة) او اسم الجهة المنتجة ,والبعض من المنتجين الذين لا ينتمون اساسا الى فئة الصناعيين الحقيقيين ويمكن ادراجهم ضمن فئة المتطفلين على هذه المهنة, أمثال هؤلاء لا يترددون في إلصاق ماركة تدل على ان السلعة مهربة من اسواق خارجية, وذلك ليقينه المسبق بفقدان ثقة المستهلك ببعض السلع المنتجة محليا, وهو الامر الذي يعود على المنتجين بأرباح فلكية نظرا الى بيع المنتج على اساس انه مصنع خارجيا, مع أن مثل هذا المنتج وبكافة مستلزماته وموارده الأولية تم تصنيعه محلياً, ومثل هذا الأمر ازداد تفاقماً بعد أن أخذت الحكومة بمفهوم تحرير الأسعار وغياب الرقابة عن سلع وحاجات ضرورية. والاعتقاد السائد اليوم بأن الإقدام على تحرير الأسعار دون حضور الشروط الاقتصادية السليمة التي تتوازى مع هذا التوجه, أسهم وإلى حد كبير في فلتان الأسواق, فالأمر المعروف أن سياسة تحرير الأسعار ترمي في جوهرها إلى تكريس المنافسة السلعية وتحريك الأسواق للتخلص من حالة الركود الاقتصادي ,غير أن الأمر الذي يجب الاعتراف به أن تلك الأهداف منوطة بولادة اقتصاد السوق الذي لا يعترف في كثير من حالاته بسياسة الحماية للسلع المنتجة محلياً, وحين أقدمت الحكومة على خيار تحرير الأسعار لم يكن اقتصاد السوق قد شق طريقه بعد, حتى أن هذا الخيار الذي أقرته الحكومة خلال العام الحالي لا يعني ولا بأي حال من الأحوال الانتقال بين ليلة وضحاها إلى سياسة تحرير الأسعار, فخروج الرقابة التموينية من ساحة الأسواق على طريقة الصدمة ودون اللجوء إلى التدرج, أحدث الكثير من الانفلات والفوضى لجهة الأسعار, نظراً إلى كون شروط المنافسة -كما سبق وذكرنا- ليست قائمة بمعناها المتكافىء, ولعل واقع الأداء في أسواقنا من شأنه تقديم البراهين في هذا الجانب.
وفوضى الأسعار التي غالباً ما تسبق الأعياد لا تنحصر في جانب الألبسة فقط, وإنما أيضاً ينسحب الأمر على سوق اللحوم الحمراء والبيضاء وعلى سوق الحلويات, فعشية الأعياد تشهد اللحوم تجاوزات غير معتادة في الأحوال العادية, وذلك على الرغم من تأكيد الجهات الرسمية على أن ليس هناك من تبدلات تسوغ مثل هذا الارتفاع وعلى وجه التحديد لحوم الأغنام التي غالباً ما تشهد إقبالاً وازدحاماً على شرائها من جانب المستهلكين, فأسعار الأعلاف على سبيل المثال غالباً ما تبقى على حالها,كما أنّ تصدير هذه الأغنام غالباً ما يقوم على سياسات وضوابط من جانب وزارة الاقتصاد بهدف الحفاظ على معادلة العرض والطلب وضمان الإبقاء على توازن الأسواق في هذا الجانب, ومع ذلك فإن تجار اللحوم على قدر كبير من الخبرة كتسويغ مثل هذا الارتفاع, والحجة القديمة المتجددة لهؤلاء, بأن جزءاً كبيراً من الثروة الغنمية يتم تهريبه إلى السوق الخارجية بأساليب وطرائق ملتوية, وهو الأمر الذي يحدث خللاً في توازن السوق المحلية. وبالاتكاء على أن الفوضى السعرية تمثل حقيقة لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها عشية الأعياد, فإن الأمر الذي يتعين المطالبة به يتمثل في ضرورة العودة من جديد لانعاش الدور الرقابي الذي غاب عن أسواقنا, ومثل هذا الدور لا يمكن التخلي عنه ما دامت أن الشروط الفعلية والحقيقية لتحرير الأسعار ما زالت غير متوفرة, واقتصاد السوق الذي أطرب الكثير من التجار ما زال في بداياته ولم يتشكل بعد... كما أنّ الاستحقاق الآخر والذي لا يقل أهمية عن سابقه, يتمثل في ضرورة قيام جمعية حماية المستهلك التي أحدثت قبل أقل من عامين, العمل على التدخل في ضبط الأسواق, ففي كل دول العالم استطاعت مثل هذه الجمعيات الوقوف إلى جانب المستهلك منع أشكال الغبن المختلفة من إلحاق الأذى به, ومع أن ولادة هذه الجمعية تعود إلى زمن قريب نسبيا, إلا انه حان الوقت لتفعيل دورها وانشطتها خاصة وأنها وعدت بفعل الكثير الكثير, ولكن دورها الحالي مازال دون الحد الأدنى المطلوب, علماً أن قانون إحداث هذه الجمعية أوضح وبكثير من الشفافية على أنها ستضمن حقوق المستهلك الاقتصادية في جميع الميادين.. والسؤال أين نحن اليوم من مثل هذه الوعود? marwan j ">@ureach.com |
|