|
ثقافة وهو فيلم اختلط فيه الخيال العلمي مع البعد الفلسفي والمنحى العبثي، وأثار الكثير من الأسئلة الاشكالية المرتبطة بآلية أخذ القرار وأهمية الزمن وماهية الخوف الفطري، وكيف يمكن التمييز بين الوهم والحقيقة، وقد طار بنا المخرج إلى الفضاء وغاص إلى أعماق البحر بكاميرا سريعة مقتحمة أحياناً مترقبة أحياناً أخرى تعكس روح الفيلم وما يضج به من حيوات، إنها فلسفة الموت والحياة والحب والاخلاص والعائلة والانتظار.
ينطلق الفيلم بالإشارة لتجربة علمية ترتبط بـخرافة الحمامة، ومنها يلج إلى فكرة الانسان ووجوده، راصداً عدة أزمنة بالوقت نفسه، والبطل هنا هو (نيمو المجهول) الذي يقدمه الفيلم بزمن الطفولة والشباب والكهولة، فعلى الرغم من أنه بلغ (118) سنة عام 2092 إلا أنه يظن نفسه في عمر الرابعة والثلاثين ويرفض أن يدلي بأي من ذكرياته للطبيب المعالج له في زمن يبدو أن الجنس البشري قد اختفى منه ليحل مكانه عالم (شبه الخلود) وعرّف بأنه التجدد الذي لا ينتهي في الخلايا مما يشي بأشخاص مختلفون عن البشر العاديين، وليحاول الطبيب معرفة أسرار وذكريات الشخص المجهول يحاول تنويمه مغناطيسياً، لنراه تارة شاب وتارة أخرى طفل ومرة ثالثة هو أب، مرة هو زوج أليس ومرة أخرى هو زوج جين، الأمر الذي يصل لمرحلة العبث والفوضى في تقطيع المشاهد بين الأزمنة والأمكنة والأحداث والأشخاص، مؤكداً أنه لا يمكننا العودة بالزمن ولذلك يكون الاختيار صعباً، هي فلسفة الزمن بين الأمس وغداً مروراً باليوم.
يتسلل صحفي إلى غرفة المريض مينو حاملاً معه آلة تسجيل قديمة، محاولاً كشف اللثام عن لغزه موجهاً إليه أسئلة ساعياً من خلالها لإلقاء الضوء على تجربة آخر البشريين العاديين، ولكن يُفاجأ بإجاباته فيقول له إنه السيد المجهول غير الموجود، ويعود بالذاكرة إلى اللحظة التي كان عليه فيها الاختيار بين والده ووالدته وهو في محطة القطارات، وهنا يظهر مشهدان الأول وهو يركض خلف القطار ليمسك يد أمه المسافرة ويبقى معها، ومشهد آخر يعجز فيه عن اللحاق بالقطار ويبقى مع والده، مشهدان شكّل الزمن بهما عاملاً حاسماً في سرعة أخذه القرار، وهنا نعود لزمن المستقبل لنرى حيرة الصحفي وعدم معرفته إن كان ذهب مع أمه أو والده، هذه الحيرة التي تتبدى في عدة مشاهد أخرى، ويستمر في التذكر، يكبر وصبح فتى في عمر الخامسة عشرة ولدى تعرفه على صديقته تدعوه للسباحة مع أصدقائها فيمتنع قائلاً أنه لا يسبح مع الحمقى مما يجعلها تنفر منه، هذه الجملة التي رددها كثيراً لأنها غيرت له مجرى حياته وجعلته يخسر الفتاة وتتزوج غيره وتنجب، ولكن مع إعادة المشهد لاحقاً يغير كلامه فيعتذر عن السباحة لأنه لا يجيدها، فتتعاطف معه وتبقى إلى جواره، مما يظهر أن كلمة كانت كفيلة بتغير مجرى حياته والأحداث اللاحقة. ثم نراهما زوجان، فدائماً الحدث الذي لا يروقه يعود به إلى الوراء ليعيد صياغته من جديد كما يرغب، ولكن في مشهد آخر بمرحلة الشباب نرى أنه لم يكن مع أمه وإنما مع والده المقعد على كرسي متحرك، يعتني به ويرفض الذهاب لرؤية أمه فبعد سبع سنوات كان عليها هي أن تسأل عنه. مشاهد تمضي بين الحلم والذاكرة البعيدة وأحلام اليقظة، حتى أنه في أحد أحلامه وصل إلى ما قبل التاريخ، وفي مكان آخر نراه عبر الفضاء مع المسافرين الذين يخضعون لسبات صناعي في مكوك فضائي ولدى وصولهم إلى المريخ يستيقظون من سباتهم على الأرض الجديدة، وهناك ينثر رماد المرأة التي أحب وماتت، ولكن ينفجر المكوك بانفجار هائل بسبب نيزك، ويعود بنا المخرج إلى الأرض من جديد حيث يلتقي أخيراً نيمو الكهل مع نيمو الشاب ويخبره بأن الأحداث التي تجري معه سبق وجرت معه عندما كان فتى كاشفاً أنه بالنسبة للعالم هو غير موجود مؤكداً أن كل تلك الحيوات هي صحيح على الرغم من التناقض فيما بينها. |
|