تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التوزيع العادل للثروة

آراء
الأثنين 15/9/2008
أ.د يوسف سليم سلامة

طرحت مشكلة غلاءالأسعار في العالم العربي, وخاصة غلاء أسعار المواد الغذائية والطاقة ومشتقاتها على صناع القرار السياسي والاقتصادي العرب معضلات لابد من حلها على وجه السرعة.

غير أن التفكير في هذه المشكلات وما يتفرع عنها لا يسير دائماً وفقاً للخطوط الصحيحة المؤدية إلى حلول لها.‏

ومع ذلك فإن رجال الاقتصاد انقسموا في تناولهم لهذه المشكلات المستجدة إلى فريقين رئيسيين. وقد صعب على الفريقين -كما هو مألوف دائماً- الخروج بحل توفيقي بين وجهتي النظر لكون المشكلة لا تقبل التوفيق أبداً, ولكنها تحتاج إلى حلول تركيبية مبتكرة تأخذ في اعتبارها أن الإنسان ذو كرامة ويستحق الاحترام, وأنه ليس مجرد ذات اقتصادية بل هو فوق ذلك ذات روحية تحيا في القيم وتنتج القيم. وبغير ذلك لا يمكن للإنسان أن يكون إنساناً.‏

فإذا كان الفريق الأول قد انشغل بالتنمية على حساب التضخم, بينما انشغل الفريق الآخر بكبح جماح التضخم حتى ولو أدى ذلك إلى حدوث شيء من الانكماش في عملية النمو الاقصادي, فإن الفريقين قد فاتهما ملاحظة كثير من الأمور التي ربما تكون واقعة في ما وراء الاهتمامات الاقتصادية وما يرتبط بها من جوانب فنية ليس لمجتمع حديث على كل حال أن يحيا دون أن يكون خبراؤه قادرين على استخدام هذه الأدوات بكل كفاءة علمية وحساسية أخلاقية.‏

فمن الأمور التي فاتت الاقتصاديين أن الإنسان كائن أخلاقي, وأنه ليس مجرد ذات مستهلكة أو منتجة, بل هو أولاً وقبل كل شيء ذات أخلاقية وكيان روحي ينبغي احترامه وتقديره, وأن تسهيل حياته المادية هو من أجل تحقيق هذا الاحترام وتعميق الجانب الأخلاقي في هذه الحياة الإنسانية.‏

ومن بين ما لم ينتبه إليه الاقتصاديون أيضاً, هو أن إعادة توزيع الثروة الاجتماعية توزيعاً أقل ظلماً, إن لم نقل أكثرعدلاً, على أفراد المجتمع وطبقاته أمرٌ لابد من الشروع فيه سواء منحنا الأولوية لهذا الحل أو ذاك. فالتوزيع العادل للثروة, أو شبه العادل, من شأنه أن يلطف من الآثار السيئة للظلم الفاحش الناجم عن تقسيم الثروة العالمية والوطنية بمجموعها.‏

والنتيجة التي تستخلص من كل ذلك هي أن معالجة القضايا الاجتماعية الكبرى -سياسية كانت أم اقتصادية أم غير ذلك- ينبغي أن تسترشد بمقدمات أو مسلمات تتجاوز السياسة والاقتصاد في أهميتها. ذلك لأن السياسة والاقتصاد إن هما إلا وسيطان بين الفرد الإنساني وبين صور حياته المختلفة داخل الحياة الاجتماعية. وعلى ذلك فما لم يتخذ المجتمع من الإنسان هدفاً للحياة في حد ذاته, وما لم ينظر إلى الإنسان على أنه غاية الغايات, فإن معالجة مشكلات هذا الإنسان ستنحط إلى مستوى الدراسات الفنية والتقنية, وإلى مجموعة من الإحصاءات التي يمكن للخبراء التلاعب بها فيخبرنا أحدهم أن المجتمع حقق نسبة نمو اقتصادي وصلت إلى كذا وكذا, في حين أن اقتصادياً آخر -واستناداً إلى الإحصاءات نفسها يطلعنا على أن المجتمع قد حقق نسبة نمو مختلفة كل الاختلاف -سلباً أو إيجاباً- عن النسبة الأولى المتفائلة أو المتشائمة التي أخبرنا بها أحد زملائه بالاستناد إلى الإحصاءات نفسها.‏

والنتيجة المستخلصة من كل ذلك هي: أن الموقف الأخلاقي والإيديولوجي لرجل الاقتصاد هو الذي يحدد النتائج التي يتوصل إليها وليست المعطيات الاقتصادية وحدها. وفي ضوء ذلك ينقسم رجال الاقتصاد إلى تقنيين يستطيعون أن يقدموا للسياسي النتائج التي يريدها, وهم في ذلك ينضمون إلى جيش مثقفي السلطة. غير أن هناك فريقاً آخر من الاقتصاديين الأحرار الذين ينطلقون من رؤية إنسانية مختلفة تعلي من شأن الإنسان فوق الثروة وتؤمن بأن التوزيع العادل للثروة هو الحل الأصوب لما يعترض المجتمع من مشكلات اقتصادية أوغير اقتصادية.‏

فهل كانت هذه القضية البديهية التي يعرفها الذوق السليم تستحق كل هذا العناء?! معاناة من كتب ومعاناة من قرأ!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية