تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


باردة أم ساخنة التمييز يسير جداً!

آراء
الأثنين 15/9/2008
نواف أبو الهيجاء

إذا كانت درجة حرارة الإنسان, في الحالة الطبيعية, لا تتعدى السبع والثلاثين درجة مئوية, فإن قياس ارتفاع الحرارة يسير تماماً: فاتر هو الماء بالوصول إلى الدرجة ذاتها, ومن ثم تبدأ حالة السخونة أو التسخين.

ما قل عن ذلك يصبح (بارداً) - والنسبة متعارف عليها- ما دامت السوائل- وتحديداً الماء- لم يتجمد فالحرارة باردة - ولاحظوا أننا دائماً نقيس ب ( الحرارة ) وليس ب( البرودة ) .. فالحرارة إما فهرنهايتية وإما مئوية - والبرودة مقياسها أيضاً كلا المقياسين - فنقول الصفر مئوية أو مادون الصفر مئوية. قياس الحرارة للسوائل هو ذاته - أما الغليان وارتفاع الحرارة عنه فتلك حالة تسمى الساخنة.. وفي العلاقات الإنسانية تتدرج إلى أن تصل إلى مرحلة ( الاشتعال أو الالتهاب.. أو الحار).‏

في العلاقات الدولية تكون مرحلة ( الدفء) بين طرفين أو أكثر - حين يسود الصفاء والوئام والاحترام المتبادل.‏

والعكس تماماً حين تكون العلاقات بادرة أو مقطوعة ( الجليد هنا هو المقاس ) , وعودة الحياة إلى العلاقات بين طرفين أو أكثر هي عملية ( كسر الجليد وذوبانه).‏

في الراهن الشهر العام الذي نحن فيه تحشيد المفردات للتعبير عن ( المتغيرات ) الفعلية أو المشتهاة أو التي يتمناها الناس, أو حتى مابنى عليها الناس من آمال قد لا يكون لها أي نصيب من الواقعية, وأعني هاهنا الأحاديث المتواترة عن ( الحرب الباردة) , عن سباق ( التسلح ) - فثمة من يريد ويأمل ويتمنى أن يعود التوازن إلى العالم - أن يكون ثمة أكثر من قطب- أن تزول الأيام والسنوات الكابوسية للاحادية القطبية التي خلالها عربدت أمريكا - ومعها مدللها الصغير ( الكيان الصهيوني ) وإلى حد شن الحروب والاعتداءات والاحتلالات والايغال في انتهاك سيادات الدول والشعوب وتهديد أمن القوى الكبرى والعظمى , بعد التأكد من أن ( المساكين المسالمين- من الدول والشعوب والأمم- قد خضعوا للجبروت - وأنهم يخطبون ود الغول الأمريكي خشية أن يلتهم (تسلية) لامن باب (اسكات الجوع) فحسب. وإذا ما قيل إن ما جرى ويجري في القوقاز ليس إلا بداية جادة للحرب الباردة وربما إشعال نار (سباق التسلح) فإن ثمة من يدعي أن الأمور طبيعية جداً ,وان ما يجري عادي ولن يصل إلى درجة (السخونة), فالحرب ليست باردة وليست حارة ولن تكون.‏

عذراً:‏

كيف تكون الحرب الباردة إن لم تكن تهديدات وتحشدات متبادلة?‏

وكيف تكون الحرب الباردة إن لم تكن ملخصة بشعور واحد القوى أو أكثر بتهديد مباشر أو حتى غير مباشر لأمنه ومداه الأمني الحيوي? وإذا كان نشر صواريخ بالقرب من باب بيتك ليس خطراً عليك فلماذا تقول إذاً: إن احتمال ضرب القواعد الصاروخية تلك من قبل سلاحي الصاروخي الدفاعي وارد جداً. أليست هذه التصريحات نوعاً من أنواع ( خوض الحرب الباردة ) خاصة وهي تقترن بأخبار الحشود البحرية في البحر الأسود- الخاصرة الروسية- وكذا إلغاء أو تجميد مشاريع عدة في المجالات النووية المدنية بين روسيا والولايات المتحدة ?‏

وماذا عن دعوة روسيا المعنيين في أوروبا وأمريكا ألا يسلحوا جورجيا - ثم يكون الجواب من أمريكا ومن بعض الحلفاء الغربيين السعي الفوري لتسليح جورجيا ?‏

ماذا تسمي ذلك التراشق الإعلامي- التهديدي- والتصرف الذي يعني ( التحدي) من الإدارة الأمريكية حتى لإرادة بعض الحلفاء لها - لتوكيد أنها غير معنية إلا باستراتيجيتها وأجندتها حتى إن تضاربت أوتناقضت ومصالح بعض الحلفاء والأصدقاء?‏

أنحن مقبلون على ( خليج خنازير ) أخرى في أمريكا الجنوبية تعيدنا إلى الحدث أيام كان المعسكران يتوعد أحدهما الآخر - قبل نحو خمسة وأربعين عاماً? قد لا تكون الأمور اليوم على تلك الصورة. الباردة اليوم قائمة - شئنا أم أبينا, فمجرد الارتفاع بالحرارة إلى ما فوق الصفر وإلى حد السابعة والثلاثين -فإن الحرب ( باردة ) .‏

وإلا فإن الصفة أو التسمية لن تكون إلا ( الساخنة ) حين ترتفع الحرارة إلى ما فوق الغليان - أو حتى حين تدنو من الغليان - إن كان التعامل مع السوائل, أما إن كان التعامل مع غيرها فاللهم استر.‏

المشكلة ليست دائماً في القدرة على توصيف الراهن- بل العودة إلى ( الجذر ) .. الأصل في الحاصل الذي يمكن أن يضع العالم كله على فوهة بركان - في معرفة وتوصيف الأسباب والمسبب.‏

هل نقول ظلما إن الإدارة الأمريكية هي المسؤول عن الاضطراب الحاصل اليوم في العالم?‏

هل نقول إن عدوانيتها هي سبب كل علل العالم? هل نقول إن سياسة الاستعلاء واستلال الخناجر والمدافع والصواريخ لأقل سبب هي الجذر المرضي للحال الذي يتخبط فيه العالم?‏

بين الباردة والحارة يكون العالم بين المطرقة والسندان, والمطلوب أن يسود عالمنا شيء من ( الدفء) لولا أن ثمة من يكره الوئام ويمقت المحبة والسلام ولا يطيق رؤية العدالة - حالة تسود في أرجاء معمورة أنهكتها الحروب والمشاحنات وأمراض حمى ( الطمع والجشع ) والقوة الغاشمة.‏

من حقنا أن نحلم بالدفء لننعم بيسر الحياة بعد عسرها.‏

nawafabulhaija @ yahoo. com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية