تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تجليات (صقر قريش) والانفتاح على الآخر

شؤون ثقا فية
الأثنين 15/9/2008
هناء الدويري

في توليفة مختلفة الفضاءات والاتجاهات يعرض مسرح إنانا بعد تقديمه /جوليا دومنا, زنوبيا ملكة الشرق, السندباد, الملكة ضيفة خاتون../

مسرحية (صقر قريش) ليظهر من خلالها دور العرب في الأندلس في حوار الثقافات والحضارات بين الشرق والغرب أيام الخليفة عبد الرحمن الداخل مؤسس دولة عربية الانتماء أوروبية الانتشار, عملت على مدار ثمانية قرون على توطيد عرى التعايش السلمي بين مختلف أعرافها من شامية الى أفريقية بربرية فكتلانية وجيليقية وغجرية.‏

مؤسس فرقة إنانا /جهاد مفلح/ يعرض لرائعة تاريخية تختزل زمن الأمس بالحاضر عبر نص /ياسر أيوبي/ وأشعار /علي الرواحي/ الغنائية وديكور الفنان التشكيلي /معد الراهب/ الذي جعل من الديكور لغة تعبيرية ناطقة بأشكال وتصاميم فراغية وزخرفية, فتشهد خشبة المسرح طوابق ثلاثة, يتهاوى في أحد مقاطعها قصر الحير بلونه البرونزي في إشارة لانهيار حكم الأمويين وفي التصميم يشارك كل من /وليد تاجا, والنحات وائل أبو عياش وضياء الدين بلال/ ومن الرموز ذات الدلالة بالنسبة للأماكن التي وطأتها قدما صقر قريش خلال هروبه من بطش المسودة من رصافة الشام عبر الفرات وصحراء النقب ثم سيناء, هناك ستائر زرقاء رمز مياه النهر, ثم الزوبعة المصحوبة بالرمال التي كادت أن تودي بحياة عبد الرحمن وزميله /بدر/ قبل أن يحط في فسطاط مصر خلال احتفالات عيد المولد النبوي الشريف وفي هذه المناسبة الكريمة أدخل الفنان /معد الراهب/ أدوات موسيقية من وحي المناسبة كالطبل والزمر إضافة الى نصب أعمدة فرعونية الطابع على الجانب الأيمن من الطابق الأول تقديراً لدور الحضارة المصرية القديمة مع تجول المحتفلين بالعيد فوق عصي مرتفعة إشارة الى تقليد فرعوني قديم. كما تضمنت الديكورات الخارجية ملامح من المدرسة السريالية دون استبعاد الواقعية.‏

ويحتوي عرض /إنانا/ الى جانب تقنيات كوريغرافية أجاد في ابتكارها /جهاد مفلح/ مدير الفرقة الأولى في سورية على /الفلاش باك/ في تصاميم ديكوراته التي تعيد المشاهد الى تأثيرات الحضارات المتعاقبة على بلاد الشام من آشورية الى فينيقية /الحصان الذي يتقدم المركب ويبحر على متنه الأمير عبد الرحمن خلال عبوره جبل طارق/ وأغريقية ورومانية وصولاً الى الحضارة العربية في الأندلس.‏

لقد اجتهد عبد الرحمن في تأسيس وتحديث حواضر عربية /غرناطة واشبيلية وطليطلة ذات الطابع الشامي/ وهذا ما تجسد فوق خشبة المسرح يعرض لحقبة تاريخية وحضارة عبّرت عن التعايش السلمي بين الأعراق والأديان ودعت الى تعزيز الانفتاح على الآخر في بلاد الأندلس, وهذا ما أشارت إليه بوابات كنيسة كاثوليكية احتضنت أيقونة للعذراء مريم في الجناح الأيسر من ديكورات المسرحية تشير الى الحوار المفتوح بين الثقافات /رعاها عبد الرحمن الداخل وسلالته حملت رائعة صقر قريش رسالة الأندلس الى العالم اليوم على غرار ما فعلت بالأمس من خلال نشرها الدفء في العلاقات العربية الأوروبية فاهتمام الجانبين بتبادل المعارف والعلوم كالجبر والكيمياء والزراعة والطب وعلم الحيوان مع تدشين أول حديقة للأعشاب الطبية الصيدلانية في ظل حكم عبد الرحمن الثالث فقد ظهرت الترع المائية التي صورها ديكور الفنان /معد الراهب وصحبه وحدائق الورد الشامي وأشجار السرو والحور والآس التي زينت أوراقها جداريات الموزاييك الملون في بانوهات قصور غرناطة وطليطلة وكان السفراء الأجانب في الامارات الاسبانية والايطالية والفرنسية المجاورة يفدون الى حواضر الأندلس للاطلاع على كل ما هو جديد في تلك البلاد من موسيقا وأزياء وفنون العجمي الى المفارش والأقمشة الدمشقية والموزاييك...‏

وقد نجح الفنان /معد الراهب/ في التعبير عن انتقال تلك الفنون العربية الى أوروبا عبر البوابة الأندلسية من خلال ترصيع بانوهات قلاع مسرحية /صقر قريش/ بالمرايا العاكسة للأضواء التي تحنو على كرانشها ومرصدها الفلكي ولتحط خبرات الأيدي الماهرة الوافدة من الشام استقبل (عبد الرحمن) السباكين والمهندسين وصانعي الموزاييك والفسيفساء في بلاده بحفاوة في جنوا والبندقية وجيليقية والقيروان وصولاً الى القسطنطينية.. ليعبر المخرج جهاد مفلح عن تأثيرات الحضارة العربية الأندلسية على جاراتها من خلال استخدام تقنية الطيران المسرحي الذي صور إبحار صقر قريش على حصانه الى وطنه الجديد محلقاً فوق مياه المتوسط.. وكان الراهب قد أصبغ تيجان الأعمدة باللون الأصفر لأن التذهيب أيام الأمويين كان تقليداً للمعلقات ذهبية الأحرف, في حين يترجم تعتيق منحوتات بوابات القصور وكرانيشها باللون الفضي المسوّر بالأبيض ويترجم المكانة الاجتماعية لحكام بني أمية, ليكشف /معد الراهب/ سحر المخيلة النهضوية وفلسفتها التنويرية الأندلسية صاحبة مفهوم /الطبيعة تقلد الفن وليس العكس/ في عمل مسرحي متكامل..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية