|
شؤون سياسية أو قادرة على توجيه دفة الأحداث في الوجهة الملائمة لمصلحة العرب أو حتى لمصلحة أقطارهم. في الضد من الواقعية وذويها وعبر عقود من الكوارث التي استجرها الواقعيون بخياراتهم الخائبة تقدم الواقعيون الحقيقيون بالمقاومة والتضحية في الحياة والتجربة المتراكمة الخبرات، خطوات إلى أمام وئيدة، ولكن أكيدة نحو الإمساك بمفاصل الحركة في سيرورة الصراع مع العدو على مستويين: مفاقمة أزمة المشروع الصهيوني التاريخية أولاً: واستجلاء مكامن القوة والإيجاب في كفاح الأمة من أجل الحرية بدحر المشروع الصهيوني ثانياً وقد طبع التجاذب السياسي بين الواقعيتين: الواقعية الأصلية وتلك الزائفة الحياة السياسية العربية، طيلة مراحل الصراع مع العدو الصهيوني بطابعه وعلى نحو ارتسمت معه للعرب صورة في عيون القوى الدولية المعنية بوطننا العربي لا تسر صديقاً، وقد كانت بؤرة القتام في هذه الصورة ولاتزال متكونة من إحجام ذوي الواقعية الزائفة حين يتاح لهم الإقدام. وكي لا نخوض في وقائع تغطي مساحة قرن تماماً في مقاربة الخطر الصهيوني لندقق في ملامح مقاربة الوضع الحاضر الناشئ على ضفاف المراجعة الأميركية لسياسة غطرسة القوة ابتداءً من أواخر عهد الرئيس السابق بوش. لقد توفرت للعرب في مخرجات هذه المراجعة، فرصة للحزم في الاصطفاف خلف نهج المقاومة والممانعة المؤسس بصموده وبتضحياته لإكراه الولايات المتحدة على المراجعة واستخلاص الدروس من الموازنة بين أكلاف غطرسة القوة ومردودها لجهة رجحان كفة الأكلاف، بيد أن استنكاف هؤلاء الواقعيين العرب عن الاصطفاف خلف النهج المقاوم صاغ إغراء لإدارة الرئيس أوباما لتمكين إسرائيل من الإفلات من أن تمتثل لمقتضيات المراجعة، ولا نريد هنا أن ننكأ جراح أحد ولكن إعلان الوزيرة هيلاري كلينتون في العشرين من هذا الشهر أمام الكونغرس أن تحالف العرب وإسرائيل ضد إيران يساعد في الوصول إلى حل الدولتين «!» مؤشر إلى أن واشنطن في خضم مراجعة سياستها الشرق أوسطية، قد تبلغت ما يكفي من رسائل العزوف عن فلسفة التضامن ضد العدوانية الإسرائيلية المتصلة وآخر أشد حلقاتها العدوان على غزة، وهذه مفارقة إذ إن تضامناً عربياً فاعلاً مع شعب فلسطين كان من شأنه إدراج نقطة البدء في مقاربة واشنطن لقضيته، وهي الاحتلال وانتهاك الحقوق، المقاربة التي يقع حل الدولتين فيها موقع الجزئية وتحصيل الحاصل لإرغام إسرائيل على أن تدفع ثمن عدوانها وليس نيل مكافأة بفرض أجندتها المزمنة وهي إرغام العرب على الاستغراق في جزئيات القضية ؟ المقاربة ومتفرعاتها. والمفارقة هنا تغدو أشد إثارة لدى تمحيص الفضاء المفتوح لدور التحالف المقترح بين إسرائيل وبعض العرب ضد إيران كونه يساعد في الوصول إلى حل الدولتين متى أي بعد أن يتحقق التحالف ويعفى نتنياهو من المساءلة إلى أجل غير مسمى عن نكرانه العنيد لحل الدولتين هذا «!» ولاسيما أن إعلان كلينتون عن الحلف الإسرائيلي العربي ضد إيران، قد جرى في ختام مباحثات نتنياهو مع مسؤولي الإدارة الأميركية وفيهم الرئيس أوباما الذي يقال إنه يبلور مبادرة من أجل السلام في الشرق الأوسط. وبه تتبدد تماماً الأوهام التي يتم ترويجها لمبادرة أميركية ذات مغزى تؤثر على مجرى الصراع العربي- الصهيوني وتنعطف به صوب سلام في أي مستوى، أما الممكن الباقي فهو العودة إلى الدوران في الحلقة المفرغة بعيداً عن معالجة المعضلة الأصلية وهي الاحتلال المحروس بشكل الشرعية الدولية وبإحجام العرب المرشحين للدخول في حلف مع إسرائيل ضد إيران عن الإقدام على ما يجب ويمكن عمله وهو التضامن العربي وفق الضوابط المعترف بها في نصوص المواثيق والمرجعية القومية لنصرة قضية كفاح شعب فلسطين من أجل الحرية وتقرير المصير، ومن المؤكد أن حراسة الاحتلال الإسرائيلي في محصلة شل واشنطن للشرعية الدولية وفي مترتبات إعاقة التضامن العربي سيفتح الباب على مصراعيه أمام أن تبلور إسرائيل هدفاً ملحاً وشديد الراهنية ويقوم الرئيس أوباما بتضمينه مبادرته المحكي عنها وهذا الهدف الإسرائيلي يجري الإفصاح عنه رويداً، رويداً وجرعة جرعة تحت العنوان الفضفاض: أمن إسرائيل فلقد أوصى 76 من 100 سناتور أميركي في 18/5/2009 في مجلس الشيوخ أثناء وجود نتنياهو في الكونغرس الرئيس أوباما بأخذ أمن إسرائيل في الاعتبار لدى توجهه إلى الشرق الأوسط. وقد بنى نتنياهو على هذه التوصية في 20/5/2009 برنامجه السياسي للسلام قائلاً: إن أي محادثات سلام تستوجب 1- تنازلات ملموسة من العرب . 2- ضمان أمن إسرائيل،.3- محادثات فورية دون شروط مسبقة، وفي أي قراءة لهذه التنازلات الملموسة من قبل العرب لضمان أمن إسرائيل في مناخ ما قبل طرح مبادرة الرئيس أوباما، إنما هي تنازلات تنحصر بشطب حق العودة من مبادرة السلام العربية. وهنا يأتي دور الواقعية الزائفة عند بعض العرب في تصنيع الديكور المناسب لتداول مبادرة أميركية تجهز على جذر القضية الفلسطينية قضية العرب القومية المركزية بالتقاطعات التالية: 1- تغطية للاستقالة القديمة والمستمرة من المسؤولية القومية ستندفع إلى الواجهة وثيقة جنيف 2003 التي وقعها رهط فلسطيني بقيادة ياسر عبد ربه مع الصهيوني يوسي بيلين والتي نكرت حق العودة على أساس هذا ما يريده الفلسطينيون!! و هذا يتقاطع مع شرط نتنياهو الخاص بتنازلات ملموسة من أجل قبوله بالدخول في محادثات فورية. 2- إمعاناً من ذوي الواقعية الزائفة باعتناق مفهوم إسرائيل الكلية القدرة رغم سقوط هذا المفهوم ميدانياً فإن الاستجابة لتعديل مبادرة السلام العربية هو الممكن الباقي أمام العرب من أجل إنجاح مبادرة أميركية لجلب إسرائيل إلى مضمار السلام. والتعديل هنا ينحصر في إعادة المبادرة إلى صيغتها الأصلية قبل إقحام حق العودة تعبيراً من ذوي الواقعية الزائفة عن حسن النية حيال هاجس الأمن لدى إسرائيل الذي تهدده القنبلة الديمغرافية الفلسطينية. 3- غوصاً من ذوي الواقعية الزائفة في إزالة الهاجس الأمني الإسرائيلي من مبدأ الترويج الرسمي لموقف عربي موحد من مسألة إزالة إسرائيل من خانة العدو وتحويلها إلى حليف في مجابهة العدو المشترك إيران، وهذا كذلك بادرة حسن نية حيال الرئيس أوباما لتمكينه من إعادة تأهيل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة المفصلة على مقاس ليبرمان من أجل مبادرة سلام عتيدة. فما الذي يبقى بعد شطب حق العودة أمام ذوي الواقعية الزائفة بعد الإحجام والإقدام متاح؟ وبعد الانغماس كلياً في وهم إسرائيل الكلية القدرة وبعد الفساد في تحديد العدو والتمييز بينه وبين الصديق يقيناً لن يبقى سوى سراب السلام والإمعان في التنازلات لتمكين إسرائيل من أن تحقق بالمناورة أهدافاً عزت عليها في المجابهة مع النهج المقاوم. siwan.ali@gmail. com |
|