تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التعاون للتقليل من ثمن الوصول المتأخر

اقتصاديات
الأحد 4/5/2008
عبد القادر حصرية

اتخذت الحكومة اخيراً قراراً برفع الدعم عن مادة المازوت ترافق مع مرسوم تشريعي بزيادة الرواتب والاجور. قرار اعادة توزيع الدعم مؤلم جداً وبمثابة صدمة للاقتصاد وربما يصعب الاختلاف حول مدى شعبية اتخاذه..

لكن من المهم ان نتعلم من موضوع الدعم درساًهاماً في حياتنا الاقتصادية.تمويل الدعم أتى بشكل اساسي من خلال الفوائض النفطية التي نجمت عن الاكتشافات النفطية التي تمت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. هذه الفوائض هي نتيجة لثروة تملكها الاجيال. الدعم وتقنين التجارة الخارجية وغيرها من النظم الاقتصادية كلها وجدت في دول العالم الاخرى بشكل او بآخر وحتى تعدد اسعار الصرف والتوظيف الاجتماعي. لكننا اقتبسنا هذه النظم والافكار وتمسكنا بها ثم اسمينا هذا التمسك بالخصوصية السورية لتفادي مواجهة مشكلاتنا وعدم الرغبة في مغادرة منطقة الراحة comfort zone. مساعدة الفقراء والتخفيف من الفقر ومساعدة الفئات الاجتماعية الاقل ,ومكافحة البطالة, هي امور البعض منها يفرضه منطق الاقتصاد وعلومه, والبعض الآخر امر مقدس تفرضه اخلاقنا ومبادئنا والاديان السماوية جميعاً, وبالنتيجة من الصعب تصور أي نظام اقتصادي او اخلاقي يستطيع التهاون بها. لكن للقوانين الاقتصادية حرمتها , ومهما حاولنا الالتفاف عليها, فإن علينا مواجهتها منذ اكتشاف النفط, استفادت الموازنة العامة للدولة من مليارات الدولارات من الفوائض النفطية, استخدم جزء هام ٌمنها للاسف للانفاق على بيروقراطية بحاجة للاصلاح, وبعض المؤسسات الخاسرة وعلى الدعم بأشكاله, ماذا لو ان الفوائض النفطية انفقت كلها على البنى التحتية واستثمارات في اصول مالية تدر عوائد ننفقها على نظام رفاه اجتماعي تستفيد منه اوسع شريحة من المواطنين عامة والفئات الاجتماعية الاقل حظا خاصة? وبحسبة بسيطة فإن قيمة مليار ليرة وبمعدل فائدة 8% منذ عشرين سنة تساوي اليوم اربعة مليارات وستمئة مليون ليرة. هذه الحسبة توضح قيمة الثروة التي كان من الممكن الاستفادة منها بشكل افضل. الكل استفاد منا, جيراننا استفادوا من تهريب البضائع الينا, ومصارف دول الجوار استفادت من ودائعنا, واستفاد المهربون من نفطنا وبهذا كان نفط السوريين ومواردهم ليست لهم وحدهم . التعامل مع الدعم مؤلم وقد تمَّ تفاديه. والنتيجة ان على جيلنا ان يتحمل كل هذه القرارات والتي من الواضح ان لا بديل عنها بالنسبة للحكومة التي حاولت اخراج عملية اعادة توزيع الدعم بأقل كلفة اجتماعية ممكنة, عدد جلسات الحكومة لمناقشة مكافحة تهريب المازوت واجتماعات المحافظين من الصعب عده, وكل ذلك وقت مهدور . إذا تركنا الجانب الاجتماعي الذي هو مقدس بالنسبة لنا جميعاً, فإن السعر في أي نظام اقتصادي هو مؤشر هام يتم على اساسه تخصيص الموارد, وأي تحديد لهذا السعر بقرارات ادارية بعيداً عن منطق السوق لن يصمد طويلاً, بل سيأتي يوم يصبح من المستحيل المحافظة عليه. القرار الحكومي تعامل مع جزء هام ولا يمكن المزاودة عليه بالشعارات بل ليس امامنا سوى المضي في الاصلاح الاقتصادي . قيمة الامم تأتي من قدرتها على التعامل مع الازمات ومن التعاون بين افرادها على تلافي نتائج الازمات. نتمنى من الجميع ان يمسك ورقة وقلماً ليحسب مقدار الزيادة في كلفته بدل ان يلجأ لرفع الاسعار بشكل اعتباطي. ونتمنى ان نتعامل مع القرار الحكومي بحكمة وتعاون لنستطيع احتواء نتائجه!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية