تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العملية السياسية وفائض العقل والحكمة

شؤون سياسية
الخميس 16-8-2012
بقلم الدكتور فايز عز الدين

السجال هو المنهج الأكثر تعبيراً عن إرادة الحياة, وحيويتها, وهو السبيل الذي يحرّكُ دينامية العقل, والتفكير, والذهنية, وإلا سيبقى الركود, والثوابت الميتة هي سيدة الموقف.

وفي التاريخ الإنساني شواهد كثيرة على طبيعة وجود الأمم, والدول, والمجتمعات, وكيف كان العقل المفعّل, والذهنية المتجددة هما الطريق الوحيد لفهم ما يجري, وتقصّي مقتضيات ما يُبنى عليه, أو يُهدم منه. والصورة كذلك سنرى أن الذات, والآخر في السجال سيتفاعلان ضمن منظومة حوار العقل, والحكمة, ودراية اتجاه سير الأحداث, وفهم حركة التاريخ الحقيقي لمن يصنعها باعتبار أن الحدث الوطني يصنعه الوطنيون, والعكس غير صحيح, وأن وعيَ الكلّية التاريخية لمجرى العصر والناس والقوى الفاعلة فيه هو المنهج الأكثر سلامة, ووصولاً إلى عملية سياسية توقف شراسة العنف الذي لن يصل بالوطن إلى تطوير أي شيءٍ فيه, بمقدار ما يصل إلى تدمير أي شيء عليه.‏

والمعروف في تاريخ أزمات البشرية منذ ما هو موغل في القدم حتى اليوم هو أن فائض العنف لا يؤدي إلى أيِّ حلٍّ كونه طريق فناء, أما فائض العقل هو الذي يجترح الحلول, والمخارج من الأزمات لا يمكن أن تكون الحلول لها من لدن الآخر الذي يخطط للتدمير ولا يُعنى بالتعمير, أم الذي اختُلِقَتْ الأزمة على أرضه فهو أولى بمعرفة مصالحه, واستدراكها من بين تشعّبات عوامل الأزمة, وعناصرها, وأدواتها, ولا يصحُّ أن ينتظر الإنقاذ ممن خطط له للغرق. ثم لا يجوز له أن يجرى وراء من يعتبرون أن الغاية تبرر الوسيلة حتى يعتقد أن بعض شروط الخروج من الأزمات قد تسهّل إعادة النظر في معسكر الأعداء فيتحول العدو التاريخي المحتل للأرض والحقوق إلى خصم تتنازع معه بعض الحقوق لكن العدو المستحدث هو الأخ, والشقيق صار العدو الحقيقي, وزالت صورة العدو التاريخي بزوال فائض العقل, وزوال فائض الوطنية, والسيادة.‏

إن الأزمات هي مفاتيح التاريخ الجديد, وهي الحدُّ بين ما كان, وما سيكون, وليس غريباً أن تحدث الأزمات لكن الغريب أن يتحول العقل الوطني, والسياسي إلى مأزوم, وفاقد للمخارج المناسبة في الزمن المناسب. وعليه فإن عوامل كل أزمة, ومكوناتها يجب أن تبقى أمام النظر, والناظر الوطني والسياسي ولا بد من ذلك لأن القوى الداخلية, أو الخارجية التي صنعتها لن تتوانى عن خلط الأوراق, وتضليل العقل, وتعطيل مدارات الرؤية وصولاً إلى فهم مقصود لهذه الأزمة يساعد على تقويض البنى الوطنية, وبحجة تقويض المناهج. وبالنهاية تعطيل الوجود الوطني, وإخراج الوطن المعني من كل وجود. نعم ليست المشكلة ببروز أزمة المشكلة أن لا نحسن إدارة هذه الأزمة بفائض من العقل والحكمة. وهذا الفائض المعني هو القادر على تفكيك عواملها القريبة, والبعيدة, الداخلية والخارجية, الوطنية, وغير الوطنية, ومن تحصيل المعرفة الكاملة, والموثوقة من تحليل الأزمة ترتسم بالأفق الفردي, والوطني الحلول السليمة, والموصلة إلى الأمن, والاستقرار من جديد, وربما على الأسس اللازمة التي تمثّل العلاج اللّازم والناجع لها ومن هنا ستكون قيامة الوطن المنتصر من جديد.‏

وبناء عليه فالأزمة التي تمر بها سورية ومضى عليها قرابة عام ونصف العام علمتنا الكثير, وفتحت المجال أما البصر السياسي والمبصرون حتى يحللوا, ويركّبوا فيها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً, وفي كل عملية عقلية, منطقية موضوعية سنصل إلى حديث في المسلّمات, وحديث في المتغيرات, والممكنات المعنية, فحديث المسلّمات يقودنا إلى أن الأزمة الحالية مهما عَظُمَتْ, وتوسّع مداها العنفي, وتعمّقت أضرارها الوطنية لا تزال تحت السيطرة والحلول التوافقية والذين لا يرغبون تأكيد هذه المسّلمة هم الذين لا يريدون العملية السياسية, والحوار, وإشراك القوى المخلصة داخلياً وخارجياً بإيجاد الحل. والمسلّمة الثانية هي أن أميركا وأوروبا وإسرائيل من العجب أن يكونوا شركاء في الحل فهم صنّاع الأزمات العربية خدمة لإسرائيل دولة التهويد الصهيونية فكيف سيكونون مع الحل الذي يتوافق عليه الوطن والوطنيون! والمسلّمة الثالثة هي إقرارٌ صريح بالحفاظ على جغرافية سورية, وتاريخها وبنية شعبها في عقده الاجتماعي والتاريخي, والحفاظ على الدولة الوطنية فيها لأن الذي حدث في الدول العربية يوضح المخطط الهادف إلى تمزيق الدولة, والجغرافية والتاريخ. والمسلّمة الأخيرة هي اختيار الحياة للوطن وللشعب بإرادة الوطنيين, ورفض مخططات الموت لنا جميعاً, واختيار إرادة الشراكة الوطنية الكاملة في بناء الدولة, والمجتمع القادمين, ورفض إرادة التخاصم والتنازع, وتدمير الذات الوطنية خدمة للعدو الخارجي, والمرتبط معه من الداخل.‏

ومع أن الأزمة تستدعي مسلمات إضافية فوق ما ذكرناه لكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة, والمهم في كل ما نراه من ظواهر هذه الأزمة, ومن ما ورائها, وخفاياها هو الدعوة لجميع الفرقاء أن احتكموا إلى فائض العقل واحتكموا إلى التحليل المنطقي والواقعية الممكنة, واحتكموا إلى أن العدو لا ينقلب إلى صديق بدون غاية, ولا يجوز أن نحوّل الصديق إلى عدو بلا دراية, وكلما رفضنا المتطرف, وأجندة الأعداء, وصلنا إلى حلول الحوار بين العقلاء, فالعقل وحده هو الذي أخرج العرب من حكم الاستعمار, والعقل هو الذي سيصل بنا إلى أن نكون الأحرار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية