تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الـ(فضالة) في العشق؟؟ من تأليف النساء أو الرجال؟

آراء
الخميس 16-8-2012
حسين عبد الكريم

لكل رجل مهنة أولى البحث عن سماء، مرصعة بالنجوم.. وأحياناً يكتفي بالنظر إلى نجمة شاردة أو مقيمة سمراء أو زرقاء أو لامعة وبيضاء أو ناحلة وشقراء، أو سارحة بين ضياء وضياء ببراعة الليلات الحنونة أو على قلق واستحياء.

يتشرد وراء سمائه ونجمته، ويتبعثر ويتجمع كالشقاء.. ويحاول التقدم والرجوع كمبتدأ، يريد خبراً فلا يوفق، فيبقى على عتبة الابتداء.. ثم يشرد من جديد ومعه ما تيسر من حزن وحلم ورجاء.. إلى أن تؤلفه النساء.. وليست كلهن يجدن تأليف السماء ورجال يبحثون عن نجمة الحب والبقاء..‏

في دكان للأشواق المستعملة والقبعات المنسوجة من بقايا الخيوط، والأقمشة، عنده (سترات) من هذه النوع من الألبسة ذات الجاهزية الضعيفة.‏

والنساء اللواتي يهبطن على الدكان وصاحبه (ماركات) منتهية الصلاحية، لأنهن مررن طويلاً بمحاذاة الأشواق، دون أن ينتبهن إليها أو أن يعرنها أية اهتمامات أو رعاية.. والأسباب عديدة، قديمة وجديدة يكشفها زمن العيش والحاجات وتكشفها البيئات والمفترقات والمفارقات.‏

صاحب الدكان عمره نصفان، نصف في مكان ما، توجه بالزواج.. لكن تاج العروسين هزمته رياح القتل والغدر والاحتلال عام 1967.. هرب وعروسه، ونسي (جهاز العرس) أن يهرب فبقي تحت القصف والدمار..‏

اشترى الدكان وملأ حيطانه بالزمان ورائحة عمره والمكان، صورة السفح الأخضر والجيران والأصدقاء.. وكتب على العتبة، خياط الجولان.. وهو الجولاني السوري العربي المؤمن بأفكار الحب والصلوات والإنسان.. وأكثر من كل هذا وبعده وقبله، المرأة التي تتكاسل خطاها باتجاه الدكان..‏

- والزوجة: ماذا عنها وعن أحوالها؟‏

- صارت على رفوف الماضي كمنشار منسي قرب جذع شجرة.. أهملت جغرافيا جسدها، واعتنت مشكورة بالطعام والبيت والأولاد..‏

وراح يكلم نفسه بصوت مسموع: (أتسلى بالزمن والأحاديث في الدكان أفضل لي من التسلي بـ(فضلة زمن) و(فضلة شوق صار صدئاً) و(فضلة عروس) سلب منها العيش كامل الأنوثة الصالحة للعيش المشترك، وأبقى منها الحطام و(التعتير) كقارب نهبت تماسكه الريح والشمس والغيابات).‏

ولم يطل به الحديث والدردشة، حتى هبطت عليه امرأة شبه امرأة، وفي التمحيص قد لا تكون امرأة.. وحين جلست بان عليها أنها تعبر الأشواق وتدوسها كما يحصل لأوراق ساقطة من شجرة، وتدوسها أقدام الرعاة والحطابين..‏

ترك الأصدقاء الخياط، لأنهم يعرفون عنه أنه اختصاصي نساء محطمات وتالفات من قلة الأنوثة وذهاب البهجة وصلاحية الغرام.. لكن ما في اليد حيلة كما يقول: النساء الفارهات الجميلات لا يحتجن المجيء إلى خياط، ليصلح لهن (بنطلوناً) أو قميصاً أو يخيط لهن بدلة عرس بالتقسيط.. الفارهات يشترين ألبسة جاهزة، ويلبسن أشواقاً جاهزة ومدفوعة الأثمان.. الأنثى من هذا الصنف لا تزور خياطاً ودكاناً فقيراً..‏

الأنوثة الغنية صديقة الوفرة، وفرة المال ووفرة الحال، ووفرة الهدايا والعطايا لا السؤال..‏

لكن من الممكن، حتى للفقراء وقليلي الوفرة أن يختصوا بأحلام لهم، وأشواق ليست (فضلة) لكن الخياط تعود على البقايا، بقايا الأقمشة وبقايا الخيوط وبقايا (جهاز العرس) وبقايا الحب.. استسهل الوصول إلى أقرب شوق وأسهل امرأة وأسهل خيط، فضاع في زواريب ودروب الرغبات المستعملة..‏

قارب السبعين أو تجاوزها، ولم يشأ وليس بوسعه الآن تجديد شوق أو حلم..‏

الرفوف ممتلئة بالذكريات، وعلى شفتيه قبلات منكسرة و(مطعوجة) مثل (تنكة) لا تستخدم..‏

ماذا فعلت أيها الخياط؟ ومثلك ماذا فعل صديقك وجار دكانك؟‏

اختصاص الأشواق المستعملة قاتل وبائس، واختصاص الـ(فضلة) في علم وفن الحلم والشوق، يؤذي الذوق ويحرق الهمة ويترك العاشق فقير توق.. وهذا ما حصل..‏

صديقي المفكر وصديق التأملات والرؤى يقول في أكثر من لقاء:‏

(العبور إلى ذهن المرأة أهم من العبور إلى جسدها.. بل لا يمكن العبور إلى جسدها دون المرور على ذهنها وأفكارها وتأملاتها.. الخطأ الفادح أن ذوي الـ(فضالة) في العشق لا يعنيهم إلا الجسد الـ(برا) والأنثى مع ذهنها في تحالف غير بغيض؟).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية