|
آراء المربي والمعلم يرى أن ثمة أسباباً تربوية تقف وراء ما يجري وأن خللاً في العملية التربوية قد أدى إلى ثغرات تسلل منها المتآمرون ووجدوا ضالتهم في شباب لم يستطع نظامنا التربوي أن يؤثر فيهم شيئاً. ولذلك أسباب كثيرة لعل أولها: تدني مكانة المعلم يوماً تلو الآخر.. حتى صار يخجل أن يقول إنه معلم.. وثانيها: التجريب على أساس التخريب في وسائل التعليم والتربية وتحويل الطالب إلى أداة للحفظ والغاية فقط الوصول إلى أعلى معدل لتحقيق حلم الدخول إلى الجامعة وغير ذلك كثيراً. والحديث ذاته ينسحب على التعليم العالي ما دام الطالب لا يجد فرصة عمل بعد تخرجه، وهو غالباً ما يدخل كلية لا يريدها وقد اختارها له الحاسوب. ويأتي سيل أسئلة أخرى ممن يعملون في مجال الثقافة والإبداع، بصيغة أخرى من المثقفين -مع التحفظ على مفهوم المصطلح- ويرى هؤلاء أن الأزمة هي أزمة مركبة يتداخل فيها التربوي والاجتماعي والثقافي، فهي إذاً باختصار: أزمة ثقافة كون الثقافة هي الوعاء الذي تصب فيه كل الميازيب الأخرى. وبالعودة إلى أسئلة الثقافة والمثقفين والعاملين في هذا الحقل، سواء كانوا داخل مؤسسات تعنى بهذا الشأن أم خارجها علينا أن نكون صريحين ولنعترف: نعم إنها أزمة ثقافة وتربية وتعليم وأخلاق. وبما أن الثقافة هي الحاضن الأساس لكل ما سلف كما أشرنا فأين تكمن المسؤولية..؟! هل ندعي مثلاً -أن وزارة الثقافة مسؤولة عن كل تقصير في الحراك الثقافي أم اتحاد الكتاب العرب أم.. وبصيغة أخرى هل هذه الجهات تتحمل عبء تثقيف المجتمع..؟! بالتأكيد ليست قادرة على فعل ذلك أبداً، فالمجتمع كله معني بهذا الأمر: المدارس والمساجد والمنزل، والمنظمات والجامعات و... هذه الجهات كلها هل لديها استراتيجيات للعمل الثقافي الحقيقي غير المبستر والمعقم..؟! لا أظن ذلك أبداً، لديها أعمال وخطط ثقافية تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى.. وكلنا مسؤولون عن ذلك... هل وضعت استراتيجيات ثقافية حقيقية..؟! هنا نذكر أننا في صحيفة الثورة من سنوات أعددنا ملفاً تحت عنوان: هل لدينا استراتيجية ثقافية، وأخذنا رأي أعلى الهرم في وزارة الثقافة وكان رده أن الثقافة لا تحتاج إلى استراتيجيات... لن نناقش ما كان لأنه أشبع حينها نقاشاً.. ولكن الآن أمام خطة لوضع استراتيجية ثقافية تقودها وزارة الثقافة، وبالتأكيد لسنا في مجال التنظير والإرشاد ففي الوزارة ومؤسساتها من الكفاءات ما يضع عشرات الاستراتيجيات، ولكن تبقى المسافة بين التنظير والتطبيق، وهذا يدعونا لأن نلفت انتباه من يعمل على إعداد هذه الاستراتيجية إلى أن يشكل فريق عمل يشمل وزارة التربية والتعليم واتحاد الكتاب العرب والمنظمات الشعبية التي ترعى الشباب.. وبالتأكيد يجب أن يكون الحاضر الأول في أي حراك ثقافي الجانب التربوي، فمدارسنا وجامعاتنا لم تعد تخرج تلامذة وطلاباً، بل آلات صماء، لا تعرف إلا اتجاهاً وكأنهم قطار مشدود إلى سكته... مكتبات مدرسية أصبحت مستودعات لأوراق الامتحانات، وينقل إليها المدرس الذي يريد أن يستريح.. وفي المعاهد والجامعات الأمر نفسه الاستراتيجية الثقافية هي إعادة رؤية شاملة في كل شيء، هي إعادة بناء الإنسان الخلاق، المتفاعل، المتطور.. المنفتح، غير المعتم، هي القدرة على تفجير الطاقات الكامنة لدى شبابنا نحو الخير والجمال والعطاء... وهذا لن يأتي بجهد مركز ثقافي أو اتحاد أو... إنه عمل طويل وشاق، يأتي بتضافر جهود الجميع.. وبالوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى أنه ليس زرعاً سريعاً يحين حصاده بين ليلة وضحاها.. أبداً.. زرع يستمر طويلاً لكنه حين يؤتي ثماره يدهش... وبالتأكيد يحتاج هذا الزرع إلى الإمكانات المادية والمعنوية والرعاية والمتابعة وبانتظار أن نرى استراتيجية ثقافية... |
|