تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«حرب نهاية العالم» .. الواقعيـــة الســـحرية في رواية ماريو بارغاس يوسا

ثقافـــــــة
الخميس 16-8-2012
لم يشكل حصول الأديب البوليفي ماريو بارغاس يوسا على نوبل للآداب عام 2010 مفاجأة لأحد لأنه أثبت مسبقاً مقدرته الإبداعية الروائية التي لا يشق لها غبار والتي أنجزت العديد من الروايات مثل

(حفلة التيس.. دفاتر دون ريغو بيرتو.. امتداح الخالة) وغيرها من الروايات التي كان لها تأثيرها وصداها البعيد في نفوس النقاد والقراء.‏‏

وفي تقرير اعدته سانا ونشرته جاء ان في روايته (حرب نهاية العالم) التي ترجمها مؤخرا إلى العربية أمجد الحسين لم يكن يتوقع منها أقل مما يمكن أن تقدمه رواية ليوسا فمبدع (الفردوس على الناصية الأخرى) قدم في روايته تلك سردية سحرية في أكثر من سبعمائة صفحة تحكي أحداثا جرت في البرازيل نهاية القرن التاسع عشر في منطقة كانودوس التي تحولت إلى كانتون ديني على يد (المرشد) الذي أنهى تطوافه في مقاطعة باهيا وهو يدعو لمملكة السماء فاستقر هناك في كانودوس جامعا حوله مجموعة كبيرة من التائبين من قطاع الطرق والمجرمين إضافة إلى التائهين والمنبوذين والمشوهين؟‏‏

أولئك المريدون وجدوا في دعوة (المرشد) تلك حاضنة تهدئ نفوسهم الضائعة والبائسة وتجعلهم أكثر إنسانية مثل جواو الكبير وبيدراو متزعمي العصابات والصغير المبارك وأم الرجال التي قتلت وليدها ومتنبئة المياه الجوفية وأسد ناتوبا وغيرهم من الشخصيات الجذابة في غرابتها حتى الفوضوي الاسكتلندي صاحب الشعر الأحمر الذي رغم تناقض رؤيته المادية مع الرؤية الغيبية للمرشد وبعد أن وجد أنه يتقاطع مع مجتمع كانودوس بفكرة المشاعية التي ترفض الملكية حاول أن يلتحق به للدفاع عنه ضد سلطة الدولة قبل أن يموت على حدوده نتيجة قضية شرف.‏‏

وتمثل هذه الشخصيات الهائمة في أساها واحتقارها من قبل المجتمع المنظم وسلطته السياسية والعسكرية والدينية طرف الصراع والجدل مع الشخصيات التي ترمز لذلك المجتمع المتمثلة بالبارون الملكي وثلته الذين انقضى عهد سيطرتهم هم وأسيادهم الإمبرياليين على البرازيل إضافة إلى الضباط والسياسيين الجمهوريين الذين بدأ حكمهم السياسي والعسكري من خلال هذه الجدلية التي لا تخلو من التداخل ومن ثم التعقيد الناتج عن الألاعيب السياسية نتجت تلك الأحداث المشوقة للرواية.‏‏

ولعل البناء السردي الذي أقامه يوسا في روايته طويلة النفس هذه والقائم على توليد الأحداث بحرفية روائية قوامها تفريع المحاور الرئيسية للأحداث ثم إعادة ربطها في محاور رئيسية جديدة جعل للرواية رغم طولها وزخم الأحداث وكثرة الشخصيات وإطالة الوصف فيها سلاسة في التلقي ومتعة ناتجة عن تفعيل التخييل لدى القارئ من أجل إعادة بناء أحداث الرواية بطريقة منتظمة ما يجعلها تتطلب قارئا ذا فاعلية ذهنية قادرة على إعادة تركيب الأحداث والحالات العقلية والعاطفية التي أنتجتها هذه الأحداث وملء الفجوات النصية بما يتناسب وواقعية الحكاية السحرية التي قدمها يوسا.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية