تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحكيم الذي عشق الصين

عن لوفيغارو
ثقافـــــــة
الخميس 16-8-2012
ترجمة: مها محفوض محمد

قبل عامين من الآن احتفلت كل من الصين وايطاليا بمرور أربعمئة عام على وفاة أول باحث غربي يدخل الى بكين ويثير اعجاب حكماء الصين وأدبائهم أيضا حكام تلك الامبراطورية المترامية الأطراف.

ففي القرن السادس عشر ظهر الشاب ماتيو ريتشي المولود في ماسيراتا الايطالية عام 1552 المنحدر من أسرة فقيرة كثيرة العدد (تتألف من أبوين وثلاثة عشر طفلا).‏‏

ونشأ ماتيو كراهب يسوعي سرعان ما استيقظ لديه حب الاستطلاع لحضارات الشرق الأقصى فراح يدرس كل ماله علاقة بتلك المنطقة الى جانب اهتمامه بعلم اللاهوت.‏‏

وفي تلك المرحلة المفصلية من عصر النهضة توجه ماتيو الى جنوب شرق اسيا في وقت كان فيه الصينيون لا يعرفون القارة الأوروبية لذلك عندما وطئت أقدام هذا الراهب أرض الصين أدرك حكماء الصين أن هذا الأوروبي جاء ليطلع على حضارتهم ويستقي من أفكارهم وفلسفتهم.‏‏

وفي تلك الحقبة التي كانت بالنسبة لغرب القارة الأوروبية هامة جدا حين كان الاستعمار البرتغالي متواجدا بكثافة في شبه الجزيرة الهندية اكتشف الاوربيون بسبب رحلة ريتشي أنهم ليسوا الوحيدين في هذا العالم وأنه لايمكنهم السيطرة على العالم وغزوه حين نزلت الأساطيل البحرية الاسبانية والهولندية والبرتغالية الى جنوب شرق اسيا وتنافست للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة.‏‏

وكان ماتيو قد درس الرياضيات وقرأ أرسطو قبل أن يتوجه الى الصين ويبشر بعلومه في هذين المجالين: الفلسفة الاغريقية من جهة والرياضيات من جهة اخرى وقبل أن يصل الى الصين حط رحاله في الهند حيث شاهد العنف بأم عينه وعاش ممارسات الاستعمار البرتغالي في غوا.‏‏

غير أن الفلسفة الهندية لم تستوقفه طويلا فتابع رحلته الى الصين وكانت يومها الامبراطورية الصينية ما تزال مغلقة في وجه الاجانب خاصة الأوروبيين، وهذا ما دفعه لتعلم اللغة الصينية خلال فترة قصيرة ليدون بعدها أول كتاب مقدس باللغة الصينية ويلتقي الرهبان البوذيين حيث تعمق في فكر الفلسفة الطاوية.كما أثارت فلسفة كونفوشيوس المعلم الروحي للصين في العصر الامبراطوري اهتمام ماتيو واعجابه حيث وجد بين تعاليم هذا المعلم والديانه المسيحية كثيرا من التقارب والنقاط المشتركة.‏‏

اهتم البلاط الامبراطوري بهذا الباحث كما اهتمت به السلطات الروحية والسياسية وصولا الى المثقفين حتى أن الفنان التشكيلي يو وان هيو قام برسم صورة ماتيو عام 1610 أي أن الجميع وجدوا فيه أبا روحيا يلتقي مع طروحات كونفوشيوس وفلسفته.‏‏

اليوم تعيد الاوساط الثقافية الصينية طباعة كل ما كتبه ريتشي عن الصين باللغة الصينية لانهم وجدوا فيه كما في الماضي مثقفا كبيرا يحمل رسالة لقاء ومحبة وحوار لا رسالة سيطرة واحتلال ولأنهم يعتبرون انه ساهم في مشاركتهم بالنفائس الروحية للفلسفة الاغريقية والتعاليم التي كان يدين بها اضافة الى اهتمامه بعدد من فلاسفة صينيين كتب عنهم وسلط الأضواء عليهم بكثير من الوجدانية.‏‏

وبهذه المناسبة كتب كرونان عن سيرته الذاتية حيث يقول:‏‏

ان ذاكرة ماتيو ريتشي هي محط أنظار واننا نثمن كثيرا اتقانه للغة الصينية واتباعه تقاليد البلاط الامبراطوري أيضا سخريته من المناصب حتى أنه رفض بأدب وكياسة العروض التي قدمها له الامبراطور الصيني لمناصب رسمية كمستشار او وزير في ذلك الزمان علما أن تلك المناصب كانت ضرورية لأجنبي مثله كان يسعى للبقاء في الصين.‏‏

ومما جذب الصينيين اليه معرفته بعلوم الكيمياء حتى أن عددا منهم تتلمذ لديه ولم يكن يبخل على احد بأية معلومة أو استشارة.‏‏

لقد كانت مناسبة الاحتفال بمرور 400 عام على وفاته فرصة لاعادة اطلالة الفكر الأوروبي مجددا على الثقافة الصينية ذات البصمات العميقة ليس في الفكر الانساني فقط انما في حوار الحضارات أيضا.‏‏

‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية