تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السياسة الأمريكية.. والعقدة الإسرائيلية!!

شؤون سياسية
الخميس 21-5-2009م
محمد عبد الكريم مصطفى

قد لايبدو مستغرباً لجوء إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» إلى استخدام بعض من الأدوات التي وضعتها

وعملت عليها على مدى ثمانية أعوام سابقة إدارة الرئيس «بوش» في مجال السياسة الخارجية، وذلك من أجل تمرير مزيد من الوقت حتى تنضج الطبخة السياسية الجديدة التي وعد بتقديمها الرئيس اوباما» إلى شعوب منطقة الشرق الأوسط التي حصدت مآسي ضخمة من جراء سياسة سلفه على أن تكون الطبخة مشروع حل متكامل لمشاكل المنطقة.‏

واعتبر أن إيجاد مثل هذا الحل هو من مصلحة أمن وسلامة أمريكا بالدرجة الأولى ، لكن وبعد مرور أكثر من مئة يوم على تربعه عرش البيت الأبيض نجد أنه من خلال موقعه وسلطته يسعى بهدوء للخروج من تحت العباءة السياسية التقليدية المعروفة للولايات المتحدة الأمريكية ويفعل شيئاً ما عبر اجتماعات مكثفة ولقاءات متنوعة بهدف الوصول إلى تسوية شاملة بعد أن أثبتت الحلول المجتزأة فشلها في تحقيق أي نوع من الأمن أو الاستقرار، لكن حتى الآن لم تزل خطواته متعثرة نتيجة تقاطعات عديدة منها ماهو داخلي متعلق بالواقع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه الأمة العظمى، وبعضها الآخر خارجي جاء بمجمله كنتيجة طبيعية لممارسات ومواقف غبية كانت تعتمدها الإدارة السابقة، تلك التقاطعات المتنوعة والمتباينة أدت إلى تأخير نضج الأجندة السياسية للإدارة الجديدة التي لانشكك في حسن نواياها تجاه القضايا الدولية الكبرى التي تطلب حلاً سريعاً، ونظراً لتوفر الرغبة وقد عبرت إدارة الرئيس أوباما عن رؤيتها في تغليب لغة السياسة والحوار على لغة التهديد والحرب التي أثبتت فشلهاوعدم جدواها إلا في صناعة مزيدمن الكوارث وقد أكد الرئيس أوباما في أكثر من مناسبة : أن قضية الصراع العربي- الصهيوني تحتل أولوية لدى إدارته لما لها من أهمية في تحقيق الأمن والاستقرار الدولي وانعكاس ذلك بشكل مباشر على الأمن القومي الأمريكي، من هنا جاء تعيين المبعوث الخاص «جورج ميتشل» كبادرة تستحق التأمل نظراً لخبرة هذا الشخص الواسعة في مجال حل الصراعات الكبيرة وقد بدأ فعلاً القيام بزيارات للمنطقة كان آخرها منذ فترة قريبة وللمرة الثالثة ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل سيتمكن الرئيس أوباما من تجاوز الخطوط التقليدية التي سارت عليها الإدارات الأمريكية السابقة منذ أكثر من خمسة عقود؟ وخاصة لجهة تبني السياسة العدوانية التي تنتهجها إسرائيل وإيجاد المبرر لها والدفاع عنها في كافة المحافل وتجاهل الرأي العام المناهض لهذه السياسة ، الذي أثر سلباً على المصالح الحيوية الأمريكية في العالم وخاصة بعد الهجمة الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة في العام الماضي ومانتج عنها من مجازر تعدت شكلاً ومضموناً كل أنواع الجرائم الإرهابية التي عرفتها البشرية من استخدام للأسلحة المحرمة دولياً وتعمد قصف المدنيين حتى غدت أنها جريمة وجناية بحق الإنسانية كلها؟ أم أن العرب لم يزالوا خارج التاريخ ولم تسعفهم ذاكرتهم لأخذ العبر من الأحداث مهما تلظوا بها؟ وإلى متى سيبقون تابعين للأمريكي متعامين عن مصالحهم الحيوية الوطنية والقومية الاستراتيجية وعن نقاط القوة الكامنة لديهم في مواجهة المشروع الصهيوني الداعي إلى مملكة اليهود الكبرى؟‏

لم يعد هناك من تأويلات محتملة تجاه المواقف الإسرائيلية بعد أن كشفت حكومة «نتنياهو» اليمينية كل أقنعتها وأعلنت على الملأ رفضها وتنصلها من الاتفاقيات التي وقعتها سابقاتها مع السلطة الفلسطينية، وهذا ماجاء على لسان وزير خارجيتها «ليبرمان» .‏

كما أكدت تلك الحكومات العنصرية استمرارها بمشاريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضت أي حوار تجاه قضايا الحل النهائي(عودة اللاجئين- القدس- إقامة الدولة الفلسطينية على تراب فلسطين الذي احتلته إسرائيل عام 1967 وما بعد) كما أعلن رئيس حكومة الكيان الصهيوني رؤيته للسلام عندما قال : «نريد حواراً من أجل تحقيق الأمن لإسرائيل أولاً ومن ثم التعاون الاقتصادي مع العرب للوصول إلى مستوى جيد من الازدهار، في حين لم يتطرق إلى أي من العوامل الأساسية للسلام، وقد أشار أنه سيبلغ ذلك بكل وضوح للإدارة الأمريكية التي أخذت تظهر علامات التراخي تجاه مواجهة إسرائيل أو الضغط عليها للالتزام بموجبات السلام الموعود، وهذا التراخي ناتج بكل تأكيد عن تدخل مباشر من قبل القوى النافذة في الولايات المتحدة الأمريكية من بقايا الإدارة السابقة و«اللوبيات» التي تقف خلف كواليس مراكز صناعة القرار الأمريكي ، خاصة «إيباك » لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية، ومن الواضح أن تلك القوى لن تسمح كما هو واضح بإحداث تغيير جذري في المواقف الأمريكية تصل إلى درجة الخروج عن المألوف الذي يعتبرونه الخط الأحمر.‏

لكن في المقابل يرى العديد من المراقبين أن الوقت الحالي موات لتحقيق اختراق فعلي بعد أن ظهر لوبي يهودي جديد في الولايات المتحدة الأمريكية داعم لإسرائيل ومؤيد للسلام مع العرب يطلق عليه «جي ستريت» وقد قارب عمره العام وهو يعمل على إبعاد عناصر «إيباك» عن مواقع القرار في أمريكا حتى يتمكن الرئيس أوباما من لعب دور فاعل في عملية السلام وتحقيق الصفقة الكبرى الذي روج لها، وقد يساعده ذلك بالخروح من الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تحتل أولوية في الأجندة الأمريكية، وتعيد لأمريكا بعضاً من هيبتها التي فقدتها على مدى قرابة العقد المنصرم، وهي لاتخفي في الوقت ذاته قلقها من الصعوبات التي يواجهها الجنود الأمريكيون في العراق وأفغانستان، السؤال هنا: هل سيكون ثمن الصفقة الموعودة تغييراًَ شاملاً في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، بما فيها تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن بعض حلفائها التقليديين في المنطقة الذين أثبتوا عبر الزمان والأحداث تواضع قدراتهم الذاتية ومحدودية الخدمات التي يقدمونها لأمريكا مقارنة بما تقدمه لهم هي من دعم وحماية؟ m.a.mustafa@mail.sy

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية