|
ثقافة عجزت جيوبهم النظيفة مثل قلوبهم عن تلك الوجبات، ولم تطلها أياديهم القصيرة كأمنياتهم ، فالتهمتها ألسنتهم الطويلة مثل ليل العاشق والفقير. خاطئ إذن من يعتقد أنّ الحبيب في غنائهم مشبّها وليس مشبّه به.. وأنّ الفم لا يعشق قبل العين أحياناً.. (أوحتى غالبا). اسمحوا لي - على سبيل الأدلّة والبراهين - أن أورد بعض ماأستحضره الآن ممّا تناولته أذناي وصدحت به أطباق (الكاسيتات والسيدهات) من الأطعمة ومذاقات الفواكه تحت الجسور, في الأكشاك والمحطّات وأمام الشاشات - وإن كانت هذه الفواكه في غير موسمها -: (العنب العنب العنب.. !, أنا كنت بحب المشمش, دي الوقت بحب المانغا, يابروستد أناناس, ياسكّر دايب دوب، البنت بيضه بيضه, آكلك منين يا بطّة, يا قشطة, ياحلاوة يا بسبوسة..ياعسل، ياجوز يالوز ياموز يافستق يابندق, يافرولة, ياتمر هندي.. ياغرامي.. وصولاً إلى المواويل الحزينة على شاكلة (القرع لمّا استوى قال للخيار: يالوبية)... وهلمّ جرّا من الأطباق الغنائيّة, حتّى ليخيّل للواحد وهو يقرأ غلاف الألبوم أنّه أمام (موني محترم) في مطعم فاخر بحي الزمالك أو المعادي أو المهندسين. لانريد أن نظلم (الشقيقة الكبرى) ونتّهمها وحدها بتصدير أغاني وأفلام ومسلسلات المائدة (الصفرة), لكنّها المثال الأوضح في عالمنا العربي ديموغرافيّاً وثقافيّاً، الشاهد الأمين على ما وصله الفن بعد (ليه يا بنفسج)،(يا ورد من يشتريك), (النرجس مال)، (ياطيور) و(جفنه علّم الغزل). نكاد لانستثني بلداً عربيّاً واحداً من هذا الانحدار أو (الزحليطة) التي وصلنا إليها، ذلك أنّ ليس للسقوط قاع، وإن سابق بعضنا بعضاً إلى الهاوية من مسلسل (صحن تونسي) التونسي إلى مناداة بائع فواكه دمشقي على بضاعته بعبارة (لا تشلّحو بيشلح لحالو يادرّاق) و(خاين يا ترخون)..!. لم نعد نخاطب الحبيبة بلغة الزهور والشموع و(الفالس) و(التانغو) و(السليو)، لم تعد يداها أكثر دفئاً من رغيف الخبز ولم تعد شفتاها أكثر حمرة من البندورة...ولم يعد غيابها يعني شيئاً أمام غياب لقمة العيش. صدق المثل الانكليزي القائل: البطن الجائع لا يفهم, لا يحب ولاينصت لأحد. أريد أن أطرح بعض الأسئلة اللئيمة فلا تستعجلوا في الإجابة: لماذا يقاس جمال المرأة لدى الشعوب الفقيرة بالأشبار والأرطال..!؟ لماذا ننفرد نحن العرب بالمثل القائل: أفضل طريقة للوصول إلى قلب الرجل هي معدته؟! لماذا كانت التسمية العلميّة والطبيّة عندنا لكلمة(فؤاد)تعني فوهة المعدة؟!... فيا فؤادي لاتسل أين الهوى...كان صرحا فهوى. |
|