|
الافتتاحية وبينما واشنطن تطلق اشارة البدء، تنطق العاصمة الفرنسية بما في داخلها ممزوجاً بمرارة التأزم الذي يواجه ساستها، لتلتقطها أدوات المخطط المزروعة في جنبات المنطقة عربياً وإقليمياً. وإذ تبدو العملية برمتها محاولة لاستعادة محاور أولية، وربما أولى في المخطط، فإنها في سياق التسخين السياسي والإعلامي استنفار للأدوات تلك، للعودة إلى المربع الأول عبر اطلاق أمر عمليات جديد، أفصحت عنه مواقف الخارجية الأميركية، بينما كانت بالمنطق الفرنسي كعادتها فظة وغير عقلانية لتتلاقى وتتقاطع مع زيارة فيلتمان القاهرة .. والتسريبات عن لقاءات مكوكية ضاغطة في العاصمة العربية قد لايكون في جدولها أي لقاء مع الأشقاء المصريين إلا في الإطار البروتوكولي. هذا التحريك الجديد للأدوات تقرؤه أغلب التحليلات على أنه يفتح الباب من جديد على تكهنات سابقة، كانت قد برزت قبيل بدء مهمة المراقبين العرب في سورية، وتتحدث عن خطط معدّة لإفشال هذه المهمة، ويبدو أن السياق الذي وضعت فيه لم يكن كافياً لدفع الأمور وفق ذلك المخطط، وكانت البدائل أن يتم التسخين السياسي كمقدمة لتعديل في الخيارات. ولم تكن السهام المتتالية المنطلقة من غير مكان على عمل بعثة المراقبين خارج الإطار، بل ربما في صلبه وأساسه، حيث اعتمدت عليها الدبلوماسية الأميركية لدفع الملف نحو التصعيد، في حين أن الموقف الفرنسي لايحتاج إلى ذرائع كي يذهب بعيداً في تخيلاته وأوهامه، وهو الغارق حتى أذنيه في أزمات يبحث لها عن مخارج. الأخطر في المسألة أنها تدار بالطريقة ذاتها مع تعديل في بعض الأدوات، أو تضخيم لبعضها مقابل تحييد لبعضها الاخر.. بينما الاستهداف والغايات تكاد تكون بالنمط ذاته مع تغييرات شكلية في المهام والأدوار، وهذا يعني أن الإفلاس والفشل والعجز لم يحلْ دون الاستمرار، ولم يلغِ المخطط كما أنه لم يوقف الدفع باتجاهه. هذا على الأقل يقود إلى الاستنتاج بأن البدائل المطروحة هي اللجوء إلى حماقات جديدة قد لاتكتفي بما اقترفته في الماضي، بل تنحدر باتجاه ماهو أكثر خطورة، حيث الاحساس بالوصول إلى الحائط المسدود يمكن أن يورم تلك الرؤوس المنتفخة اصلاً بفتح بوابات للتصعيد السياسي والإعلامي، ولن يكون التحضير على الأرض خارجها، وهذا ما أفصحت عنه التسريبات الاستخباراتية والتقارير السرية مؤخراً. لذلك, لم يكن صعباً إدراك خلفية التسخين الأميركي ومن خلفه الفرنسي، خصوصاً أن المعطيات الأولية وما تسرّب حتى الآن من مواقف لاتخدم النيّات المسبقة ولا التحضيرات الموازية التي اعتمدتها تلك الأطراف، بل تقود في اتجاه مغاير لم يستطع الأمين العام للأمم المتحدة تجاهله، حتى قال إنه من المبكر الحكم على عمل المراقبين وإن كان يتناغم في النهاية مع الأصوات المتعالية أميركياً وأوروبياً. وبالقدر ذاته أيضاً, لم يكن مستغرباً أن يكون الهروب نحو الأمام أحد البدائل في اطار التغطية على أزمات عاصفة تهدد بليّ الذراع الأميركية، بينما تتوعد بشلّ اليد الأوروبية المتثاقلة والمغلولة اليوم وسط هموم ومتاعب على المستوى العام كما هي على المستوى الخاص. عودة العربدة بالنسبة لنا مؤشر إفلاس واضح.. لكنه أيضاً وفي الوقت ذاته ناقوس خطر حقيقي يستدل منه بدء التحضير لجولة جديدة من التصعيد قد تكون الأخطر فيما شهدناه حتى اليوم.. وهي في ظل حماقات ومراهقات سياسية وتورمات وظواهر صوتية، وانتفاخات طارئة تحمل في طياتها أبعاداً ومعطياتٍ لاتستبعد من خياراتها أي وسيلة.. وهو على الأقل مايمكن فهمه من التناغم الصريح في التهجم على المراقبين وسيل الاتهامات لتنطق الخارجية الأميركية بتعويذتها المعتادة. وحين تنطق بها.. لنا وللمنطقة أن نتوقع ما هو أبعد من معضلة أو قضية مراقبين.. وما هو أبعد من الادعاءات بالتعاون أو عدمه..!! |
|