تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مراسم البداية

ملحق ثقافي
17/1/2006
منذر يحيى عيسى

-1- تفاجئني الآن طرطوس صباحاً فاتراً يأتي من هجوعٍ طويلٍ بحذر تفتح جفنيها معلنةً بدء المراسم لاستقبال أقدام الحفاة المختمرين بالعرق المزيّنينَ بالغبار

والمنتعلين جلداً لكائنٍ أبحر في عتمة موتٍ يزهر فيها الصقيع.. والأرضُ كل من عليها سيبحر الى هذي المتاهة التي تملكُ شكلَ الحقيقة حيث تتوحد الأحياء في سديم العدم. ولاشيء بعدُ، إلا السكون.. ورداءٌ من ضبابْ. -2- تفاجئني مدينتي كل صباح بشوارعَ باستقامة الى البحر تسير وأشجارها التي تنحني للريح كأجساد متعبة ومصابيح الأعمدة كأنها في موكب ترسم الريح فيه لحن السأم الموشّى بالخراب فهل كل الجهات! تقود الى احتفال الصمتِ والانزواءِ في هجير المقبرة..!؟ -3- تفاجئني طرطوس والشمسُ تغادر مخدعها من شفقِ الأرجوانِ الى مدار سرمدي يرسم فضاءَ الرياح والسحاب ودفءٌ لذيذٌ يودّع الجسد المحمّل بهموم الليل هارباً.. تحتَ عباءة الضجيج متسللاً عبر الحقول.. المغضنة كوجوهنا تلك التي أدمنتْ صعود سلالم الجفاف رغم أن البحر يغسل قدميها منذصرخة البدء وانعتاق الجسد.. وحتى صرخةٍ تحرر الروحَ من سياج الرغبة فتهطل عليها دموع البؤساء وأمنياتُ الجائعين. -4- أدخل في بدء الضوء يطاردني شبح الخيبة والانكسار وأنا الذي اخترتُ دروب العصافير ومدارات النوارس من بوابةٍ تفضي الى البحر الحاملِ فوق راحتيه زوارقَ البهاء الأجمل منها.. تلك التي نبحر فيها على بياض الطفولة عندما نمتطي صهوة الخيالِ وخفق رايات الفرح.. نرتقي دون صخب الى ممالك الزرقةِ والسوسنِ وعندما نعرج الى فضاءات النور خلف النجوم نبني فردوسنا كما نشاء.. وقت اشتعال الهوى في أمسيات الياسمين ، أو عندما نركض في نهارات الشتاء المشمسة، نحو قوس قزحٍ لنمارس طقس التحول«1» ولندخل في تجربة البوح والتوحد والاحتراقْ. -5- أغمض عيني أسترجع التفاصيل العابرة كسربٍ من الطيور المهاجرة مغافلاً بلادة النهار في مدينة الهلام أمضي الى الأرض.. حاملاً هديل الحمام أشرعةً.. تمضي الى جزرِ الشعرِ وبساتين الغمامْ. أرتّلُ أنشودةً تهمي على بيادرِ القلبِ يماماً وسيلاً من ندى تغازل الحزن الشفيف على بوابة الأيام. وأمضي في نهارات الشغبْ دافعاً صخرتي يلبسني التعبْ وعلى طائرِ الحلم السلام. -1- إشارة الى فكرة شعبية قديمة وهي تحول جنس من يدور في الهواء تحت قوس قزح الى الجنس الآخر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية