|
ملحق ثقافي
«لايمكن فصل شاعرية سنغور عن إنسانيته لأنه ينسج قصائده من لحم ودم نابضين بالحياة يوحي ويستوحي منهما روح الشعر النهضوي كما في ابداعاته تستقبل اليوم واجهات المكتبات في العواصم العالمية مؤلفاته الى جانب دراسات تتناول «ليوبولد سيدار سنغور» وذلك بمناسبة الاحتفال على امتداد 6002 بمئوية ولادته ولعل من أبرز تلك الاعمال منشورات «المنظمة الدولية للفرانكفونية» و«المطبوعات الوطنية للسنغال» وإصدارات عدة دور للنشر في فرنسا وبلجيكا وكندا و.. ومن العناوين التي ستحط بدءاً من شهر شباط القادم في الاسواق:« سنغور: السيرة الذاتية»
وهي دراسة لـ « هيرفيه بورغ» عند دار« منغيس» الفرنسية و«مسيرة خارجة على المألوف» تأليف الصحفي في راديو فرنسا الدولي «فيليب سنتيني» «قصائد وغنائية سنغور» جمعها وعرضها شاعر مور يشيوس«إدوار مونيك» صدرت عن دار «فريمو» الباريسية مرفقة باسطوانة مدمجة تحتوي أبياتاً مختارة من مجموعاته قدم لها «تيري بيريه» ويعمل كذلك صحفياً في الاذاعة المذكورة ومن أهم فعاليات 6002 الفرانكفونية- (وتضم 36 دولة عضوة فيها ) :إحياء عشرات الأمسيات الخاصة بالشاعر السنغالي وكتاباته الى جانب تدشين عدة جامعات تحمل اسمه على غرار« جامعة سنغور» في الاسكندرية لكن ما الذي يميز «سنغور» عن شعراء جيله؟! «المدرس الملتزم» في قرية« جوال» السنغالية ولد« ليوبولد سيدار سنغور ، تابع تحصيله العلمي في مدرسة« غاسوبيل» ثم في «داكار» عاصمة البلاد قبل أن يتوجه الى باريس عام 8291 ليلتحق بالمدرسة العليا«لويس الكبير» وكان من بين رفاقه« جورج بومبيدو» وتسلم رئاسة حكومة فرنسا عام 2691 ثم رئيس جمهوريتها بين منتصف الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي حصل« ليوبولد» على أهلية التعليم قسم الآداب ليغدو أول مدرس من أفريقية السوداء خريج الجامعة الفرنسية سنة 3391 فجر لقاء «سنغور» بزميله الشاعر« ايمي سيزير» القادم من جزر المارتينيك آنذاك قنبلة في عالم الشعر الناطق بالفرنسية الوافد من مستعمرات ماوراء البحار دشن الثنائي عام 4391 مجلة ادبية تحمل اسم «الطالب الأسمر» حيث ظهر الأول مرة تعبير «الزنوجية» على الساحة الثقافية قرر الصديقان من خلال طرح هذا المصطلح العودة الى مفاهيم وتقاليد شعبيهما وتراث أمتهما مما أكسبهما رتلاً من الاعداء والأصدقاء وفي عام 7391 صدر أمر بتعيين« ليوبولد» أستاذاً في مدرسة« ديكارت» الاعدادية في مدينة «تور» الفرنسية لينصرف هذا الطالب النجيب الى إعطاء دروس مسائية لعمال المنطقة في بيت الثقافة هناك وفي العام التالي انتقل للعمل في مدرسة «بيرتلو» قبل أن يساق لخدمة العلم عام 9391 وكانت السنغال آنذاك مستعمرة فرنسية وقع عام 0491 أسيراً في أيدي الألمان ثم اطلق سراحه بعدما أصيب بمرض في صدره يعود الى مهنته السابقة الى جانب انخراطه في المقاومة السرية وفي عام 4491 يكلف سنغور بمهمة في المقاومة ينجزها بنجاح ليتبوأ كرسياً في المدرسة الوطنية لفرنسا ماوراء البحار فرع الحضارات واللغات الافريقية وفي عام 5491 يلمع نجمه في عالمي الأدب والسياسة معاً عندما نشر أول مجموعة شعرية له عنوانها:« أناشيد الظل» سرعان ما ينتخب نائباً عن السنغال في الجمعية العمومية ليعاد ترشيحه وانتخابه مرات عدة في برلمانها شغل بين العامين 5591-6591 منصب سكرتير دولة لرئاسة المجلس في وزارة« إدغار فور» وفي آب 0691حظي بتأييد جماهيري كبير عندما أنتخب أول رئيس لجمهورية السنغال رغم هذا المنصب الرفيع إلا أن«سنغور» لم يتخل عن كونه شاعراً من الطراز الرفيع يكتب باللغة الفرنسية( لغة السنغال الرسمية الى اليوم) قصائد من و حي موطنه الافريقي بأسلوب السهل الممتنع لتحمل أبياته موسيقا جزلة تتغلغل الى أفئدة الشارع الافريقي ووجدانه. يعتبر«ليوبولد سيدار سنغور» أول من أسس باكورة دور النشر التي تهتم بالمواهب الادبية السمراء الناطقة باللغة الفرنسية وذلك عام 9491 في باريس وتحمل اسم «لوجود الافريقي» فتحت الأبواب على مصراعيها أمام الأقلام الشابة لتعبر عن تطلعاتها وإبداعاتها وكان «سنغور» كذلك وراء تنظيم اول «مؤتمر دولي للأدباء والفنانين الزنوج» عام 6591 تلاه عام 9591 مهرجان الثقافة والفنون الافريقية ويحتفل بعام تلك الثقافة على امتداد 6002 يتخلل فعاليات المهرجان المذكور«بينال الفن الافريقي المعاصر» في دورته السابعة خلال شهر أيار القادم ومن أبرز أعمال« سنغور» مجموعاته الشعرية:« القرابين السوداء» وصدرت عام 8491 والأثيوبيات 6591 و«الدجن» 1691 و«رسائل شتوية» 3791وأنتولوجيا الشعر الزنوجي الحديث 8491(قدم لها جان بول سارتر) و«حرية أولى» 1691 أصبح الشاعر عضواً في أكاديمية العلوم السياسية والاخلاقية الفرنسية عام 9691 وعضواً في الاكاديمية الفرنسية 4891 وهو شرف لم يحظ به أديب في القارة السمراء من قبله ألم تعتبره تلك الاوساط من الكتاب الأفارقة الذين يتقنون عدة لغات محلية تغني أرصدتهم الثقافية وتجعلهم يتفوقون على أندادهم الفرنسيين والبلجيكيين وحتى البريطانيين والامريكيين؟ الزنوجية السنغورية «نحن رجال الايقاعات الراقصة الذين لاتنتعش أقدامهم إلا عندما تقرع الارض بتلك الكلمات أعلن« ليوبولد سنغور» في مجموعته« صلاة الاقنعة» ارتباطه بالارض والتزامه بنبضها الحيوي ارض سمراء بلون بشرة اهلها عصية كإرادتهم الصلبة ثم يتابع اعترافاته قائلاً:« يتوجب عليّ إخفاء أسلافي في اعماق شراييني وأوردتي أسلاف هم أصحاب بشرة راعدة يخترقها البرق والصواعق ليس إلا وذلك في مؤلفه: «الطوطم» ولايتوقف شاعر الفرانكفونية المتوج-كما اعلنته تلك المنظمة بعيد انضمام السنغال وطنه اليها- عند تلك التحديات لابل يستمر في الإشادة بأبطال الاساطير والملاحم الأفريقية السوداء على غرار« شاكا» و«صوند جاتا» وسواهما من الذين صنعوا امبراطوريات تلك المنطقة الممتدة بين مدار السرطان وخط الاستواء ويسترسل الروائي والشاعر والصحفي «سنغور» في قص وسرد تلك الملاحم في أعماله ليؤكد على عمق التراث الأفريقي المقروء والمكتوب صانع حضارات ذات صولة وجولة عبر التاريخ فالوعي الافريقي لمخاطر التغلغل الاستعماري الابيض فوق أرض الجوهرة السمراء يدين لقصائد« سنغور» المناضل ومواقفه المناهضة لهذا التدخل السافر في شؤون بلاده بالكثير وبخاصة مقالاته السياسية ورواياته حتى لقب داعية« الزنوجية» بامتياز ألم تعمل مشاركة الكشافين السنغاليين في معارك الحرب العالمية الاولى بادىء ذي بدء على الإطاحة بما يسمى سيادة الحضارة الغربية على المنطقة الشمالية من الكرة الأرضية؟ ألم تؤكد البعثات الاثرية واكتشافات الاثينولوجين أمثال:« فرو بينوس» «وموريس دولافوس» ان الغرب لم يكن السباق الى وضع اسس الحضارة العالمية كما طبلت لها وزمرت الأوساط الاستعمارية الفرنسية ؟! ألم تشر تلك المكتشفات انه من العبث النظر الى افريقية السوداء وكأنها طاولة فارغة؟لكن نزول الحركة المدعوة« بالنسبية الثقافية» بمساعي وجهود«سنغور» ورفاقه امثال« عليون ديوب» و«ايمي سيزير» الى واجهة الاحداث وتربعها اركان الساحات الفرنسية سرعان ما رسخت أقدام«الزنوجية» الناشئة فما أن نشر داعيتها «ليوبولد سنغور» عام 4391 مجلته« الطالب الاسمر حتى عرفت الاوساط السياسية في الغرب انه يتوجب عليها تغيير نظرتها للأفارقة لأنهم ليسوا كما أراد هذا الغرب تصويرهم أنصاف رجال حرفتهم اللامبالاة ليس إلا يقول «سنغور» في إحدى مقالاته في المجلة المذكورة:«في الثلاثينيات من القرن العشرين كنا في الحي اللاتيني عصبة من المثقفين الزنوج نتحسس أعمال ونتأثر بأفكار النهضة السوداء في باريس وسواها من المدن الفرنسية رحت أطالع آنذاك «الزنجي الجديد» وهي أنتولوجيا كتبها « آلان لوك»-الى جانب قصائد شعراء تركوا تأثيرات عميقة في فؤادي أمثال:« لانستون وسيترلينغ براون وفرانك مارشال وجون تومر وجيمس جونسون من أمريكيين الى بريطانيين ادركت يومها ان الاعمال الادبية والفنية هي أيضاً قادرة على فرض الاعتراف بحضارة افريقية السوداء واحترامها» وراحت كتاباته تلح على مئات من المثقفين الافارقة العودة الى الشعر والقصة والتراث الشعبي في موطنهم( جنوب مدار السرطان)-ليرى النقاد في تلك الروائع من مقالات وقصائد وقصص- الدعوة لتدشين «حركة الزنوجية» على الصعيدين الثقافي والسياسي والفكري ألا تحتفل «داكار» هذا العام بالذكرى الخمسين لولادة اول مؤتمر دولي للكتاب والفنانين الزنوج بجهود« سنغور» وعصبته؟ فما أن رأت المجلة الثقافية الناطقة بالفرنسية «وجود افريقي» النور عام 7491 على يد «سنغور» حتى تداعت تلك العصبة لعقد لقاء في باريس للتداول حول مستقبل «الزنوجية السنغورية» كما لقبتها الصحافة الفرنسية يومئذٍ كتب لتلك الحركة الفكرية التقدمية البقاء والاستمرارية الى حين إذ لم ينجح الكتاب الافارقة في المستعمرات البريطانية الناطقون باللغة الانكليزية في بادىء الامر في لي أذرع السنغوريين رغم مساعيهم المتكررة ثم قامت عام 0691 حركة تناهض« السنغورية الثقافية» وكان ليوبولد قد وصل الى رئاسة السنغال وتتهم الزنوج بالتنظير الايديولوجي يتزعمها الشاعر والروائي النيجيري «وول سوينكا» صاحب جائزة نوبل في الآداب عام 6491 ويحتل منذ عام 7991 منصب رئيس البرلمان الدولي للكتاب ولايزال على رأس عمله صدرت له صيف عام 5002 مسرحية عنوانها« بابو الملك» باللغتين الانكليزية والفرنسية عن دار «أكت سود» الباريسية لكن الزنوجية السنغورية لم ولن تنهار رغم وفاة مؤسسها قبل خمس سنوات من الآن ألم يسهم رئيس أول دار نشر من نوعها خاصة بالأقلام السمراء في داكار؟ ففي عام 2791 وبمبادرة من «ليوبولد سنغور» ولدت« المطبوعات الافريقية الحديثة» في كل من «داكار» و«أبيجان» «ولومي» هدفها التعاون مع خمس دور نشر فرانكوفونية هي «الوجود الأفريقي» و«ناتان» و«كولن» و«هاشيت» و«لوسوي» الباريسيات على أن توزع تلك الاخيرة مطبوعاتها في أسواق افريقية السوداء وشمل برنامج عمل «المطبوعات الافريقية الحديثة» إعطاء الاولوية للترويج للثقافة الزنوجية المنتشرة بين مدار السرطان وخط الاستواء على أن تدخل ضمن تلك الانشطة الكتب المدرسية ومؤلفات الخيال العلمي والدراسات النقدية الى جانب الشعر والقصة والمسرح والرواية و..وتحتفل تلك المطبوعات اليوم بتدشين قبل عقدين من الزمن« دار الشبيبة» الخاصة بكتب سن المراهقة ورواية الغرافيك= الفن التاسع والقصص البوليسية. ألم تخرج السنغورية الكتاب في افريقية السوداء من القمقم الذي زجه في داخله الاستعمار الفرنسي ليحمل قضايا الزنوجية الى العالمين النامي والذي في طور النمو؟! ولاتزال المعركة محتدمة بين مؤيدٍ ومناهض لإعادة الاعتبار للزنوجية السنغورية بعد إثارة الجدل بين الفرانكفونيين والكتاب الافارقة المناصرين للأنغلوساكسونيين مع العلم ان غالبية المنددين تأثرت بطروحها لابل سارت على خطاها وهديها أمثال« سوينكا» وتأتي الاحتفالات بمئوية «سنغور» في «داكار» وباريس» و«بروكسل» وعشرات العواصم الفرانكفونية لتعيد الأمور الى نصابها من خلال تسليطها الأضواء على كتاباته بعد نشرها مجدداً دون زيادة أو تحريف وتشويه لنقرأ ما دونه« سنغور» في مقدمة «الأثيوبيات» حول ديونه تجاه التراث السنغالي الحضاري:« الحقيقة أني قرأت أو بمعنى أدق استمعت بآذاني وحواسي قبل أن أسجل أو أعلق على قصائد غنائية هويتها أفريقية السوداء فلو اردتم (يتوجه للمثقفين الغربيين) أن تجدوا لنا معلماً أو عراباً الأحرى بكم أن تبحثوا عن هذا المرشد في أفريقية وفوق أرضها ليس إلا وتعتبر تلك الدعوة للحج الى ينابيع الأدب جوهر« ثقافة وفكر الحركة الزنوجية ألم تلتزم عشرات الاقلام في افريقية السوداء بهذا النهج السنغوري؟؟ ها هو الأديب«بيراغو ديوب» ينشر مؤلفين:« القصص الافريقية» و«قصص احمد وكومبا» بعد أن عمل على تدقيقها وجمعها متمثلاً نصيحة« سنغور» في الحفاظ على التراث الشفهي لشعب السنغال ومالي والنيجر وجيرانهم كذلك الامر بالنسبة «الطفل الأسمر» للأديب «كامارالاية» وتنتمي للسيرة الذاتية في تناولها: عمالة الاطفال السمر و الملونين في زراعة الارض قبل التجمع مساء حول رواة محترفين يتذاكرون سير الاقدمين في السنغال والى جانب إتقان شبيبة تلك البقاع لفنون الصيد والغناء والرقص على قرع الطبول أما الروائي المالي «سيدو باديان» فيعري في روايتيه: «دم الاقنعة» و«أعراس مقدسة» مثالب المجتمع القبلي عند الأستواء وكيفية تعلق شريحة من أفراده بالخرافات وأعمال السحرة والطوطمية ويذهب زميله« أحمد وكوروما» أبعد من ذلك حين يسجل بريشته كلمات الأغاني التي ترددها شفاه سمراء في المناسبات والأعراس باعتبارها إرث اللغات المحكية محلياً (كالمالينكية) ألم يتكلم «سنغور» عن دور هؤلاء الرواة الرحل المتنقلين بين القرى والقبائل حفظة العِبر والامثال يرونها على مسامع الكبار والصغار لتتناقلها الأجيال؟؟ وكتب عنها يقول: «ستكون شفاهي شفاه البؤساء والمحرومين الذين لايملكون فماً وسيصبح صوتي حرية الذين يقبعون في غياهب سجون اليأس».. عن الغارديان |
|