تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عقاقير ذكية

كل أربعاء
الاربعاء 19/3/2008
سهيل إبراهيم

يغيب مفهوم الامن القومي العربي , عن الادبيات الاستراتيجية للعرب في المضمون, وان ظل حاضراً في الشكل, فينوس قرارهم -منفردين- بين المصلحة القطرية الضيقة, ومايتبعها من مستلزمات التبعية للقوى العظمى التي كان الغرب في الغالب,

والولايات المتحدة الامريكية تحديداً ركيزتها الاساسية:‏

تشظت الخارطة العربية منذ سلسلة (بروفات) الاستقلال الوطني, التي شهدها القرن الماضي, في مغرب الوطن العربي ومشرقه, وتشظت مع هذه الخارطة اردات وولاءات كان انقسامها وتصارعها شرطاً للاستقلال, وهدفا له, كي يسهل الحفاظ على منسوب التحولات التي يمكن للعرب ان يطلقوها في فضائهم العائم على بحار من السلع الاستراتيجية, التي تمسك الغرب من عنقه.ولعل الولادة القيصرية للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة, جاء وقتها في هذا السياق وعكسه في نفس الوقت, فهو من وجهة نظر الغرب, يلبي حاجته لوجود قاعدة عسكرية متخمة بالسلاح وسط هذا الوطن العربي المترامي الاطراف, تؤمن له استخدام القوة, فيما لو هب الاعصار القومي, وقرر العرب ذات يوم , انجاز وحدتهم القومية, ووضع ثرواتهم المستخرجة والكامنة في ترابهم, بتصرف قرارهم الاستراتيجي وامنهم القومي!‏

من جهة اخرى, فلقد اججت ولادة الكيان الصهيوني, لدى العرب , شعورا بالخطر, تحول سريعاً, الى دينامية قومية تلاقى فيها المشرق العربي مع مغربه, واصبح الصراع العربي الصهيوني, في صدارة العناوين القومية التي يتعانق العرب على مضمونها الصريح!‏

في هذا السياق كانت الحروب, وفي هذا السياق كان يتحدد افتراقنا عن الامم الاخرى واقترابنا منها, وفي هذا السياق كان تعريفنا الذي لا لبس فيه للعدو والصديق!‏

حددنا العدو, وشوشنا صورة الصديق, فلم نعرف كيف نصوغ امننا القومي, ولم نعرف كيف نرسم شبكة الامان بين القطر والأمة!‏

بقينا نترنح على شفير هذا التيه عقوداً طويلة, وبقي الغرب, وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية, التي أصبحت فيما بعد قطب العالم الأوحد, بقيت تحفر حول أقدامنا هاويات السقوط. بالدبلوماسية حيناً وبالقنابل الذكية أحياناً, حتى انكسر ظهر المنطقة, وتبعثرت شظاياها في كل اتجاه!‏

الأمن القومي, صار يعني أمن هذا القطر أو ذاك, وأمن هذه الأقلية العرقية أو تلك, وأمن هذا التيار أو ذاك, أي أمن حرس الحدود, وأمن الحارات والأزقة, وأمن بعض الليبراليين العرب, الملقحين بخلائط العولمة.‏

عكسنا الأولويات, وتقدم التناقض الثانوي على التناقض الجوهري, فصار الصوت الأعلى للقطر أولاً, ولتكريس الانفصال أولاً, ولترسيم الحدود أولاً, وللخيارات القبلية والأثنية, فتلاشت الدينامية القومية, حتى كاد الهيكل يسقط على رؤوس الجميع.‏

ما دام حائط الأمن القومي العربي قد تصدع, وتفرق العرب أيدي سبأ, فلماذا لا يكمل أصحاب الاستراتيجيات الطموحة والنافذة في فضائنا المسكون بالغبار, لماذا لا يكملون الخطوة التالية!‏

استبدال العدو, ورسم خرائط جديدة بحجة شيخوخة خرائط سايكس - بيكو, ثم تنظيف هواء المنطقة من غبار الطلع الذي أطلقته المقاومة, بعقاقير ذكية!‏

الخطوة التالية بدأت, فمن يقوى على بتر أرجلها, فليحمل يقينه وسلاحه وكفنه الأبيض, ويخرج لملاقاتها في منتصف الطريق!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية