تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ما شكل الائتلاف القادم في إسرائيل؟

شؤون سياسية
الخميس 19-2-2009م
حكمت فاكه

أصبح واضحاً بعد الإعلان عن نتائج انتخابات الكنيست في إسرائيل ترسيخ صعود التيارات «اليمينية - المتشددة» وظهور ميل عام لدى الاسرائيليين تجاه الأحزاب

والتنظيمات السياسية التي لاتراهن على السلام مع الفلسطينيين بقدر ما تريد تأزيم الموقف.‏

وأمام المستجدات التي فرضتها الانتخابات الاسرائيلية على الساحة، سيتعين على أوباما وأركان إدارته التعامل مع حكومة اسرائيلية يمينية - تتعارض أجندتها كلياً مع رؤية أوباما لإدارة الصراع وتسوية القضية الفلسطينية في الوقت الذي وضعها في أجندة سياسته الخارجية.‏

وبالعودة إلى الانتخابات الاسرائيلية والخريطة المتطرفة التي أفرزتها، نجد أن حزبي كاديما - بزعامة ليفني والعمل برئاسة باراك، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز، قد خاضا حرب غزة بشكل خاص لتعزيز موقفهما الانتخابي وإيصال رسالة واضحة إلى الناخبين مفادها أنهم لا يقلون عنفاً مع الفلسطينيين عن الأحزاب اليمينية الأخرى، ولاسيما حزب - الليكود - الذي ينافسهما على مقاعد الكنيست.‏

لكن الناخب الاسرائيلي على ما يبدو فضل الأصل على النسخة، وصوت لصالح الأحزاب اليمينية المعروفة بمواقفها المتطرفة والعدائية تجاه الفلسطينيين، فطالما أن الحكومة الحالية سعت إلى استمالة الناخبين بإظهار بطشها في التعامل مع الفلسطينيين وإبرازهم على أنهم لايفهمون سوى لغة العنف، قرر الناخب الاسرائيلي التصويت لمن يتبنى مواقف أكثر تطرفاً مادامت حلبة السباق مقتصرة على السياسات اليمينية وضاقت على ما سواها، ومادام السلام في خطاب الأحزاب الاسرائيلية الرئيسة لم يحظ بالاهتمام المطلوب،ونادراً ما كان يشار إليه كجزء من البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة.‏

وهكذا جاءت تسيبي ليفني في المرتبة الأولى بفارق مقعد واحد في الكنيست بعدد مقاعد وصل إلى 28 مقعداً مقارنة مع 27 لصالح حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، فيما كانت المفاجأة صعود الحزب المتطرف اسرائيل بيتنا وزعيمه أفيغدور ليبرمان، الذي حصل على 15 مقعداً متقدماً على حزب العمل بعد تراجعه التاريخي إلى المرتبة الثالثة في لائحة الأحزاب الاسرائيلية بعدد مقاعد لايتجاوز 13 مقعداً، وفيما حصل حزب شاس الديني لليهود الشرقيين على 11 مقعداً لم ينل حزب مريتس اليساري، والذي كان الوحيد من بين الأحزاب الاسرائيلية المعارض لحرب غزة سوى ثلاثة مقاعد في الكنيست الاسرائيلي.‏

وبالطبع، يعتبر الصعود اللافت، كما تؤكد نيويورك تايمز، وإن كان غير مفاجئ لحزب اسرائيل بيتنا - في الانتخابات الأخيرة مصدراً حقيقياً للقلق بالنظر إلى مواقف زعيمه - أفيغدور ليبرمان - تجاه الفلسطينيين وخطابه العنصري الواضح تجاههم، حيث سبق أن طالب بطرد الفلسطينيين داخل اسرائيل مع أنهم أقدم وجوداً منه على الأرض التي لم يهاجر إليها إلا قبل عشرين عاماً، والأكثر من ذلك كان حزب اسرائيل بيتنا أحد أهم مؤيدي الحرب على غزة، بل طالب باستمرار الحملة العسكرية حتى تسقط حماس. وللأسف كان لهذه المواقف العنصرية والديماغوجية دور فاعل في حشد أصوات الناخبين ودفعهم للتصويت لصالحه، وكان ليبرمان واضحاً في مطالبته بإنهاء الصراع في غزة بالطريقة ذاتها التي أنهت بها أمريكا الحرب في اليابان،وكل ذلك دون أن يحرك العالم الغربي ساكناً. وحسب ليبرمان لن يقود مسلسل السلام إلى الحل، وهو الموقف ذاته لحزب الليكود - وحزب شاس - للمتدينين الشرقيين ما يجعل من احتمال انتشار هذا التصور في عموم الساحة السياسية الاسرائيلية في المرحلة المقبلة أمراً وارداً ليهدد جهود السلام الأميركية والدولية في المنطقة.‏

وفي ظل المواقف المعلنة للأحزاب اليمينية وامتناعها عن التفاوض مع الفلسطينيين أو الدخول في مباحثات جدية تنتقل من الشكل إلى المضمون، ومن مجرد الحديث إلى التطبيق، يتوقع استمرار الاستيطان بوتيرته الحالية واستكمال بناء الجدار العازل لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والقضاء على مشروع الدولتين.‏

وبهذا ستكون الحكومة الاسرائيلية القادمة حكومة ائتلافية هشة معرضة لابتزاز دائم من الأحزاب - اليمينية- الأكثر تطرفاً في المشهد السياسي الإسرائيلي بمواقفها التي يصعب تسويقها دولياً، والحقيقة أن دور المجتمع الدولي سيصبح أكثر إلحاحاً في ظل الجنوح الاسرائيلي الواضح نحو اليمين بممارسة الضغط على الزعماء السياسيين والكف عن لعب دور المتفرج العاجز عن فرض إرادته لإحلال السلام في الشرق الأوسط.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية