تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خريف الأمم المتحدة

كل أربعاء
الأربعاء 22-2-2012
سهيل إبراهيم

لم تنصفنا الأمم المتحدة يوماً، منذ أن التأم شملها بعد الحرب العالمية الثانية، وتقاسم الخمسة الكبار قرارها في مجلس أمن، تحوم فوق رأسه عصا الفيتو، وتحكمه مصالح القوى العظم

ى وتذبح على طاولته أحلام الشعوب الناشئة التي تبحث عن مكان لها تحت الشمس، ولم يحصد العرب من انتسابهم لعضوية هذه المؤسسة الدولية الجامعة غير المهانة، باعتبارهم ينتمون إلى منطقة غارقة في التخلف، لا يحتاجها العالم إلا بمقدار ما تزداد ثروتها النفطية التي شكلت منذ اكتشافها عصب الثورة الصناعية في الغرب، وعلى أساس احتياطييها باتت ترسم السياسات الاستراتيجية التنموية لعشرات العقود القادمة، تلك الثروة التي أذلت العرب بدل أن تصون كرامتهم، واسقطت معظم الدول التي تنتجها في خانة المحميات، بدل أن تعزز استقلالها، وتمكنها من امتلاك عناصر القوة، وترفع شأنها بين أمم الأرض!‏

افتتحت الأمم المتحدة تاريخها الأسود معنا بقرار تقسيم فلسطين، تتويجاً لوعد بلفور، واستكمالاً لخرائط سايكس بيكو، وتدشيناً لعصر من الحروب والفتن في منطقة أريد لها أن تبقى دوماً على خط الزلزال، كي لا تطمئن إلى حاضرها، وتتفرغ لرسم مستقبلها، بعد خروجها حديثاً من قيود الوصاية والانتداب، تحت عناوين استقلالية مفخخة من كل الجهات. وبعد قرار التقسيم الذي لم يلحظ آلية لتنفيذه، قام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وتسابقت الدول العظمى لمباركته وخلع الشرعية عليه، حتى ولو ظل -حتى الآن- كياناً بحدود مؤقتة تتمدد عند الحاجة، لكنها لا تتراجع تحت أي ظرف!‏

طوال عقود الحرب الباردة، ورغم توازن القوى الذي حكم توجهات مجلس الأمن في هذه الحقبة، فإن حصيلة القرارات التي تناولت الشأن العربي، كانت منحازة دون أي التباس للجانب الصهيوني، حتى في الحالات التي تعرض فيها العرب لعدوان موصوف خسروا فيه الأرض والعتاد والبشر كعدوان 1956 على مصر، وعدوان 1967 على مصر وسورية والضفة الغربية بما فيها القدس عاصمة فلسطين، وفيما استطاع توازن القوى الدولية أن يوقف عدوان عام 1956 على مصر ويزيل معظم آثاره، فإن عدوان عام 1967 ظلت آثاره رهينة القرار 242 الذي بقي حبراً على ورق، لا يجد في المنظمة الدولية من يدعو إلى تنفيذه، في ظل عصيان صهيوني تدعمه وتشجع عليه دول الغرب الاستعماري حتى أيامنا هذه!‏

في كل محطات الصراع التالية كانت الأمم المتحدة تستنفر كل منظماتها الفرعية ومجالسها الإنسانية والثقافية، كلما تعلق الأمر بشأن يخص أمن الكيان الصهيوني، وتنام نوم أهل الكهف عندما يتعلق الأمر بشأن يخص أمن العرب، خصوصاً بعد أن فقد العالم توازنه واستولت الولايات المتحدة الأميركية على عرشه، كقطب أوحد يحشد تحت لوائه الامبراطوري دول الاستعمار الأوروبي وعشرات الدول الخاضعة لترهيب أو ترغيب واشنطن، ما مكنها من القبض على كل مفاتيح القوة في المنطقة الأممية، وتحليل ما تراه حلالاً، وتحريم ما تراه حراماً، وفق رؤية استعلائية لا تجد في العالم ما يستحق الاعتبار من قيم الحرية والعدل!‏

منذ عقدين ونحن نتلقى الضربات من الأمم المتحدة وخارجها، بسيف القوة الأميركية، نعض على جراحنا، ونتشبث بمبادئنا دون نصير لنا، حتى لاحت في الآونة الأخيرة تباشير التبدل في مواقع القوى، بعد أن طفح الكيل، ووجدت بعض القوى العظمى نفسها أمام مشهد دولي ينذر بدمار العالم فرفعت إصبعها على طاولة مجلس الأمن، واعترضت على طغيان أحادي يكاد يذهب بالبشر إلى الجحيم، فأعادت للفيتو اعتباره، وفتحت أفق الاحتمالات أمام من يراودهم الأمل بمستقبل مضيء للإنسانية، بعد عقود مظلمة كانت فيها الأمم المتحدة مطية لقوى غاشمة شرعت لنفسها استباحة الكون حتى إشعار آخر!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية