تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بين لحظات النصر.. و إرث الذاكرة المجيدة ..إصرار على محاربة الإرهاب وطرد الغزاة والمحتلين

دراسات
الأحد 8-3-2020
فؤاد الوادي

بين لحظتين، تشمخ الذكرى بحضورها المتجذر في الوجدان، لتطل علينا من شرفة النصر الكبير على الإرهاب، النصر الذي يصوغه ويخطه اليوم شعبنا العظيم بدماء شهدائه الأبرار ورجالات جيشنا المغوار في جبهات وميادين القتال ضد التنظيمات الإرهابية والدول والأنظمة الداعمة لها.

بين لحظتين، لحظة استحضار ذكرى ثورة الثامن من آذار المجيدة بقيمها وإنجازاتها المفصلية التي أنقذت الفعل العربي من براثن الإحباط والوهن والتآمر الاستعماري، ولحظة حضور الذاكرة بانتصاراتها الكبرى التي غيرت من وجه المشهد الإقليمي والدولي.. بين الزمنين، يذكر التاريخ بعنفوان أمجاد شعبنا العظيم، ليدفع إلى سطح المشهد بحقائق الذات التي تؤكد اليوم أنها الأقدر على حمل لواء المواجهة والانتصار والمقاومة، وانتشال الوطن والأرض والهوية من الغرق في أمواج المؤامرات والمخططات الاستعمارية التي لا تزال تجهد للنيل من وحدة هذا الشعب وتاريخه وحاضره ومستقبل أبنائه.‏‏

في مقاربة الحدث ليس لنا خيار إلا أن نقرأه من زاوية امتداده وتطوره التاريخي وتأثيره الاستراتيجي على الأحداث التي لحقت به وتأثرت به، لأن من شأن ذلك أن يساعدنا على تقريب الصورة ورؤيتها بوضوح شديد، ليس هذا فحسب، بل من شأن ذلك أن يدفعنا نحو الولوج إلى فهم أعمق وأوسع للأسباب الحقيقية التي كانت وراء الحدث الذي هو في حقيقة الأمر ارتداد طبيعي لأحداث تاريخية سبقته، ورسمت معالمه، ووضعت قاعدته الأساسية، ومهدت لحدوثه ليكون بدوره مقدمةً لأحداث وتطورات أخرى تأثرت به، وهذا التسلسل في الفهم والقراءة يضعنا مباشرة أمام الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الاستهداف الممنهج لوطننا اليوم وطيلة السنوات والعقود الماضية.‏‏

ثورة الثامن من آذار ونحن نقف في حضرة ذكراها السابعة والخمسين اليوم كانت وستبقى إحدى أهم المحطات المهمة والمؤثرة في تاريخ ونضال وكفاح الشعب السوري، لما حملته في توجهاتها ومبادئها وتطلعاتها التي كانت تحاكي الحاضر والمستقبل والتاريخ، والتي كانت تهدف في أبعادها إلى ضرب وإسقاط كل المشاريع والمخططات والمؤامرات الاستعمارية التي كان ولا يزال يحيكها لنا الغرب، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر عن طريق المبادئ والقيم الخادعة والزائفة والشعارات الطنانة والرنانة التي تتخذ من الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان مطية لها.‏‏

لقد مرت سورية بأحداث مهمة ومفصلية، لكن لم يتسنَ للكثيرين في توقيت ولادة الثامن من آذار إدراك أهمية تلك اللحظة وفهم أبعادها الإستراتيجية، وذلك يعزى بطبيعة الحال إلى عدم استيعاب اللحظة الزمنية التي أنتجت الحدث لفائض الأثر والأهمية والدلالة الزمنية والجغرافيا والتاريخية، سواء على المشهد المحلي والإقليمي، أم على المشهد الدولي، إلا بعد مرور تلك السنوات و العقود التي أثبتت صوابية ثورة آذار المجيدة وما رسخته في وجدان الأمة في الدفاع والتصدي لكل المشاريع الاحتلالية والاستعمارية التي تستهدف وحدة وسيادة وطننا وشعبنا بمبادئه وقيمه وعروبته.‏‏

الانعكاس الحقيقي لقيم ومبادئ ثورة آذار المجيدة تجسد في العام 1970 بعيد قيام الحركة التصحيحية التي قادها القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد والتي لم تكتف بتصحيح مسارها فحسب، بل جعلت منها منطلقاً وقاعدة صلبة لتحقيق مكتسبات وقفزات وإنجازات نوعية على كل الأصعدة والمستويات.‏‏

قد يكون الحديث عن منجزات ومبادئ وقيم ثورة آذار من الأهمية والضرورة بمكان في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها الوطن، حيث يعيد التاريخ نفسه لجهة الحاجة الحتمية لإعادة إنعاش وإحياء قيم ومبادئ الثورة الحقيقية التي تقاوم وتجابه وتتصدى لكل المشاريع الاستعمارية التي استطاع الشعب السوري من خلال إيمانه العميق بتلك القيم والمبادئ التصدي لها وإحباطها.‏‏

إن التشبث بروح ومبادئ ثورة الثامن من آذار بات اليوم ضرورة ملحة بعد أن تكالبت على سورية وحوش الإرهاب والاستعمار، وهذا ما يوجب علينا ومن منطلق الواجب الوطني والمسؤولية الأخلاقية، بالتلاحم والتعاون والبقاء في ذات الخندق، خندق الصمود والمواجهة ومع كل الجماهير العربية المؤمنة بفكر البعث وقيمه، مرتكزين في ذلك على إرثه الوطني الكبير ومصداقيته وواقعيته و رمزيته البالغة الحضور والتأثير.‏‏

بين زمنين، آذار العام 1963 ، وآذار العام 2020، يكتب التاريخ أنشودة الأمل بالنهوض من تحت الرماد والانتصار على كل الغزاة والطامعين، كما يُشرعُ الباب واسعاً على مرحلة جديدة من الاستحقاقات والتحديات التي تبدأ باستكمال مسيرة التحرير والتطهير ومكافحة الإرهاب ومواجهة الغزاة والمحتلين والطامعين، ولا تنتهي بإعادة الإعمار والبناء، وترسيخ حوامل الوعي والإرادة والوطنية التي كانت حصن السوريين ودرعهم في الدفاع عن أرضهم ووحدتهم وسيادتهم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية