|
شؤون ثقا فية وقد تقدمت به الى اتحاد الكتاب العرب فرفض, لسبب بسيط هو ان مستوى اصدارات اتحاد الكتاب أعلى من مستوى كتابي, وهذا الامر لا يدخل في اطار المزاح او السخرية بدليل ان الاتحاد المذكور لا يزال يعرض كتبه الصادرة منذ ذلك التاريخ بحسومات تشجيعية تصل الى حد بيع الكتاب كله على بعضه ب 25 ليرة, فلا يجد من يشتريه.. او يسومه على حد تعبير عمتي صبيحة الله يرحمها! وقد علمت مؤخراً ان بعض كتب الاتحاد القديمة طرحت للبيع بالكيلو (أو على القبان, والله أعلم! ) بعد ان اعتذرت سيدات البيوت عن استخدامها لمسح زجاج منازلهن, بحجة انها (تجلغم) الزجاج, بدلا من ان تنظفه ! وضعت رفض اتحاد الكتاب لكتابي في جيبي المخروق, وعدت ادراجي الى ادلب الخضراء, وفي أول زيارة لحلب التقيت صديقي محمد جمال باروت في مقهى القصر, وكان ان نصحني بتقديم كتابي نفسه الى وزارة الثقافة, موضحاً لي ان طاقم الوزارة نظيف, وليست لديهم اعتبارات غير ادبية كالاتحاد. وبالفعل, وخلال أقل من شهر من تقديم الكتاب الى الوزارة, وصلتني منهم موافقة خطية على تبنيه مع شيك بمبلغ 605ليرات سورية, مكثت اكثر من سنتين اصرف و(أتبهنك) من هذا المبلغ العظيم, حتى نفد! وحينما مررت بالوزارة لأول مرة في حياتي, لأسألهم عن الاجراءات التي تلزم لصدور الكتاب لكي أفرح به ,مثلما فرحت بقدوم ابنتي ريتا وفرح, قال لي موظف الديوان: -حضرتك خطيب بدلة? قلت له: أي نعم? قال:الاستاذ انطون يريد مقابلتك. وبما انني كنت في تلك الأيام (غشيم مصلحة) فقد سألته : أنطون مين? فقال لي: ولو, أقصد الاستاذ انطون مقدسي, رئيس دائرة التأليف والترجمة في الوزارة! كانت لدي فكرة عامة عن انطون مقدسي مفادها انه مفكر كبير, وانه من مؤلفي كتب الفلسفة للصف ا لثالث الثانوي الأدبي. بناء على هذه الفكرة صعدت اليه متهيباً, ولكنه فاجأني بحفاوة وبشاشة قل نظيرهما وقال لي: -يا أخي خطيب,أنت انسان موهوب, وأؤكد لك انك ستكون, اذا ثابرت, من كتاب سورية المهمين. لم تتحقق نبوءة الاستاذ انطون مقدسي في أنني سأكون من الكتاب المهمين, ولكن تشجيعه لي جعلني أكمل مشواري في الكتابة, حتى انني اصدرت قبل أيام مجموعتي القصصية الثامنة, وهي بعنوان (حب بعد الخمسين) , وأكاد أجزم بأنه لو عاملني الاستاذ انطون مقدسي على طريقة علي عقله عرسان, لأقلعت عن مسألة الكتابة, وامضيت بقية عمري ألعب الشدة في مقهى علي عبدان في معرتمصرين! تضمنت مجموعة ( عودة قاسم ناصيف الحق) ثماني قصص تعمدت ان اجعلها قوية الحبكة, نكاية بكاتب من اعمال حلب حينما يتحدث فإنه يخرج ثلاثة ارباع الكلام من أنفه, والربع الآخر من فمه, كان يهزأ بي في مجالسه ويقول عني: -شو هادا خطيب, بهالعمر كتب قصة ا و قصتين, وعامل حاله كاتب! ولأن وزارة الثقافة كانت تتأخر في طباعة كتبها, بسبب أزمة الورق آنذاك, فقد صدرت مجموعتي الثانية( حكي لي الأخرس- سخريات صغيرة) قبلها , وبالتحديد في سنة 1987 بينما تأخر صدور المجموعة الأولى عن الوزارة حتى سنة .1989 الكاتب الذي يوزع كلامه بين أنفه وفمه بنسبة ثلثين وثلث, بقي معلقاً علي مثل الفقر, وكان يقول في مجالسه : -هادا خطيب بدلة ليس كاتب قصة قصيرة, فهو (تبع سخريات صغيرة)! حظيت المجموعتان, الثانية والأولى, اللتان صدرتا على نحو متعاكس , باهتمام الأوساط الثقافية آنذاك, ولقيتا مديحا كثيراً, وهجاء كثيراً أيضاً. ومع ذلك فإنني أؤثرهما بالمحبة وأحن الى تلك الايام التي كنا نكتب فيها ابكياننا كله , ونقيم فيها الأدب , على طريقة طرفة بن العبد, مقام الوالد. |
|