تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحقيقة باتجاه ... و بوش في اتجاه آخر

شؤون سياسية
الأحد 2/3/2008
د. جهاد طاهر بكفلوني

ظلت الحقيقة خلال مراحل التاريخ الطويلة معدناً نفيساً يحظى بمكانة كبيرة في قلوب الناس الذين رأوا فيها غاية ليس الوصول

إليها بالأمر السهل, وربّما شعروا بعد أن أضناهم البحث عنها ولم يظفروا بطائل أنها أشبه ما تكون بالسراب, كلما شعرت أنك ازددت اقتراباً منه فاجأك بالابتعاد لمسافة لم تكن تخطر على بالك.‏

لكنّ الناس لم يصابوا باليأس, ولم يخامرهم أدنى شك أنّ الحقيقة موجودة فعلاً لا قولاً, لكنّ الظفر بها يتطلب مسيرة مضنية شاقة من البحث المستمرّ الدؤوب.‏

هم يدركون جيداً أنّ الخلاف عليها لم يجد مكاناً له في قلوبهم, وهم يجتمعون على محبتها, ويتمنون اللقاء بها, بل يطمحون طموحاً مشروعاً أن تظلّ مقيمة بينهم صاحبة بيت وليس ضيفة عابرة.‏

هذه المسألة لم تغب عن بال الرئيس الأميركي (جورج بوش) رغم انشغاله بقضايا البشر في الماضي والحاضر والمستقبل, والحقّ يقال إنّ أحداً لا يستطيع تفسيراً لوجود هذا الكمّ الهائل من الإنسانية في قلب هذا الرئيس, لذلك تراه دائم الانشغال بمستقبل البشرية على وجه الأرض. يصاب بالأرق مثلاً عندما يعرف أن الاحتباس الحراريّ يهدّد البشر بمستقبل بيئي شديد الظلمة, ويطلب من موفديه أن يهتموا باتفاقية (كيوتو) الخاصة بمعضلة انبعاث الغازات, لكن ماذا يستطيع أن يفعل مع الوفد الأميركي الذي شق عصا الطاعة ورفض وضع توقيعه على الاتفاقية?!.‏

وقد نرمي الرجل بالظلم إذا نسبنا إليه رفض التوقيع, فقد يكون مغرّراً به, وقد يكون أحدهم همس في أذنه أنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست مسؤولة عن انبعاث هذه الكميّة الهائلة من الغازات التي تهدد بإيصال طبقة الأوزون إلى مرحلة التهتك الكامل, فهي لا تحوي إلا عدداً متواضعاً من المصانع والشركات الاحتكارية, وهي غير متورّطة في استخدام التكنولوجيا ذات الضرّ الغالب على النفع, وقد تكون صناعياً دولة محدودة التأثير عالمياً!‏

يفكر (بوش) بالأمن والسلم الدوليين, لذلك تراه شديد الحرص على إعطاء الأمم المتحدة دورها كاملاً في إطفاء حرائق النزاعات الدولية هنا وهناك, والرجل شديد الانضباط فهو لا يخطو خطوة لا تحظى بمباركة وموافقة المنظمة الدولية, وما حصل في العراق مثلاً دليل على مدى التزامه بكلّ ما تمليه عليه الأمم المتحدة, وكلّ ما يقال عن إلحاقه المنظمة بالركب الأميركي, وتحجيم دورها إن لم يقل مسحه ومسخه, كلّ ذلك لا يعدو كونه إشاعة مغرضة من أحد كارهي (بوش) وعددهم قليل في العالم!‏

الرجل منهمك بالتفكير والتدبر في مصير البشر, ومع ذلك فهو يدير وجهه نحو الحقيقة, يناجيها كلما خلا مع ساعات إلهامه, واستسلم لمناجاة عميقة مع أحلامه أو أوهامه وما أكثرها!.‏

وحرصاً على إيجاد وسيلة سهلة الاستعمال للعثور على الحقيقة, وانطلاقاً من رغبته الملحّة في توفير جهد الإنسان في كل زمان ومكان في سبيل الحصول على الحقيقة, فقد ابتكر آلة بسيطة إلى درجة التعقيد, وأوعز لأعوانه ومريديه بطرحها في الأسواق وأطلق على هذه الآلة اسم (العكس). ولم ينس أن يضع في حقيبة الآلة كتيّباً يوضح كيفية استخدام الآلة للوصول إلى أفضل أداء وأحسن نتيجة.‏

يقول الكتيّب إنّ الوصول للحقيقة يكمن بقلب كلّ عبارة أو كلمة أو تصريح إذا كان (بوش) مصدراً لأيّ منها, فإذا عكس المستمع أو المشاهد أو القارىء ما يقوله (بوش) وضع يده على الحقيقة كاملة. وللتأكد من هذا الأمر ننصح بالرجوع إلى التقرير الصادر عن معهد (كارنيغي) الأميركي للأبحاث, الذي أشار إلى أنّ الوضع في الشرق الأوسط يتجه إلى الأسوأ نتيجة سياسات إدارة الرئيس (بوش).‏

بينما ترى (بوش) بمناسبة وبغير مناسبة يتبجح أنّ حديقة الازدهار في الشرق الأوسط أتمت استعدادها للخروج على أبنائه بأحلى زينة, أغصانها الديمقراطية, وثمارها الأمن والاستقرار والرفاهية وأبناء العراق هم أول حاصدي ثمار هذه الحقيقة.‏

عكس السامعون قول (بوش) فعثروا على الحقيقة, فالعراق اليوم ساحة مباحة للقتل والفتن المذهبية, نُهب تاريخه ودمر حاضره, ومستقبله ريشة في مهبّ الريح, و (بوش) هو المسؤول عن خراب البصرة والعراق كله.‏

بشّر (بوش) الفلسطينيين بدولة خاصة بهم يعيشون فيها مع الجار (الطيب إسرائيل) بسلام وازدهار, فحقق الصهاينة مزاعم الرئيس الأميركي ووعوده وزرعوا الأرض الفلسطينية موتاً ودماراً وحصاراً.‏

قال (بوش) إنه استأصل الإرهاب وأعلن عليه حربه الشعواء, ووعد بأن يصبح وجه العالم أكثر إشراقاً, وعكسنا القول فرأينا العالم وقد ناء بثقل الإرهاب الذي حاول (بوش) استئصال جذوره فإذا به يجعلها أكثر عمقاً.‏

التقرير ضمّ أربعين صفحة ويمكن اختصاره بعبارة واحدة: الحقيقة دوما عكس ما يقول بوش.‏

والخاسر الأكبر من نشر هذه الحقيقة هو الشعب الأميركي الذي سينشغل لفترة طويلة بمحاولة احتواء ما خرّبه الرئيس الراحل في نهاية العام الحالي, وهي محاولة تستنزف وقت وطاقة الشعب الأميركي ورئيسه القادم بلا ريب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية