|
فضائيات تقوم على مبدأ التحدث بشفافية شبه مطلقة فكراً ووجداناً حول هموم إعلامنا المتلفز, مع الإبقاء على أسماء هؤلاء طي الكتمان إلا في حالات خاصة يقدرونها هم أنفسهم. الفكرة لقيت استحساناً مبدئياً, لكن اللافت هو شعور من تحدثنا إليهم بالرهبة من انكشاف أمرهم مستقبلاً, كأن التجرية المديدة علمتهم أن الكتمان والصمت هما مفتاح الحفاظ على المصالح والاستمرار في العمل. الأهم من ذلك, هو سيطرة المراحل السابقة والسياسات القديمة على عقول ومشاعر العاملين في التلفزيون وسرعة استحضارها لدرجة الإيحاء أنهم هم أنفسهم كانوا ومازالوا جزءاً من تلك الأخطاء, وأن الوصول إلى الصواب, كما يتصورونه, هو أحد المستحيلات, لأن ما بني على باطل هو باطل, وربما أبعد من ذلك يتوصلون إلى أحد أشكال العدمية ومفاده: باطل الأباطيل, كل شيء باطل. طرحت على أحدهم سؤالاً: لماذا هناك جو عام في التلفزيون يوحي بعدم الارتياح لقدوم مدراء جدد? في البداية, لم أتلق أي جواب يتعلق بالإدارة أو المهنة, وانحصرت المبررات في أمور ووقائع شخصية, مما اضطرني إلى خوض سجال طويل للوصول إلى أسباب مهنية منطقية ومقنعة, ولكنها قد لا تكون واقعية وصحيحة بالضرورة. على أية حال, وجدت فيما بعد أن من الطبيعي أن تهيمن التجارب السابقة والراسخة على أذهان هؤلاء, وأن تحولهم إلى خندق الممانعة لأية توجهات جديدة, وأن تتخذ هذه الممانعة أشكالها التقليدية المألوفة, لأنها سبق أن جُرِّبَتْ. قد يقول البعض: لكنك تطرح السؤال الخاطىء? وماعلاقتك بمشاعر هؤلاء تجاه مديرهم? أليس سؤالك نفسه يصب في الأطر التقليدية ذاتها التي تحكم تفكيرهم ? بلى بالتأكيد... لكنني أقول إنه يستحيل استفزاز عقل مكبل بالمشاعر والمخاوف, وأكاد أجزم أن الكثيرين يتعاملون مع كل جديد على أنه طارىء وعابر, وأن الشفافية هي مجرد شعار كغيره من الشعارات, وأن تصديقه والعمل به هو ضرب من البلاهة, أو الأصح هو خروج عن نمط البلاهة السائد وكشف للعورات, وسيفضي لا محالة إلى الإقصاء والتهميش. في نهاية الحديث مع ذلك الزميل شَبَّه لي الوضع في التلفزيون بقصة طرحتها إحدى حلقات مرايا على شاشة التلفزيون السوري ذاته, ولما قلت له إن التشبيه أعجبني وسوف أكتبه كما هو, نظر إلي بدهشة كأنني نطقت كفراً, وقال لي: ابتعد عني, لست مستعداً للتضحية بعملي من أجلك. فكرة هذه المادة الصحفية لم تزل قائمة, لأن جردة حساب ممن صنعوا الأخطاء وعاشوها وربما كانوا نتاجها هي في حد ذاتها زاوية نظر جديدة قد تساعد الساعين إلى التغيير في مهمتهم, بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف معهم حول تصوراتهم. أقول بغض النظر عن الاتفاق أو الإختلاف لأن ما يجري من تغييرات في تلفزيوننا لا يخرج عن السياق القديم, لكنه يخلق أوهاماً ويخلق ردود أفعال تستنسخ الفعل ذاته, وربما علينا الانتظار أكثر لتقييم النتائج, إذا بقي هناك من يهتم لذلك. |
|