|
ترجمة فعمد إلى تجويع نفسه حتى يتمكن من التسلل للكرم بعد أن يصبح هزيلاً, وعندما نجح في مسعاه ودخل الكرم وملأ بطنه بالعنب, لم يتمكن من الخروج بسبب سمنته الزائدة. رئيس الحكومة يسعى أساساً للحفاظ على ائتلافه حتى يتمكن من البقاء في منصبه والوصول إلى الهدف الذي وضعه لنفسه وهو- التوصل إلى تسوية مع أبو مازن- ونتيجة لذلك فهو يشل قدرته على التقدم نحو هدفه المعلن, وعندما يستبعد التفاوض حول التسوية في القدس تصبح لقاءاته مع أبو مازن أشبه برحلة إلى اللاهدف. بداية, ربما ينبغي التسامح مع ميزة القفز اللفظية التي يتصف بها رئيس الوزراء, وهوتارة يتحدث عن مستقبل القدس وتارة أخرى يقول إنها ضمن جدول الأعمال, ومن ثم يقول إنه سيبحث أمرها فقط بعد أن يتم التفاهم حول كل القضايا الخلافية الأخرى, و لابد من اعتبار ذلك سلوكاً سياسياً مفهوماً تفرضه الضرورات الائتلافية. إلا أن هذا الافتراض المتسامح ليس ملائماً في الظروف الحالية, ذلك أن أولمرت ليس قائداً يشبه مناحيم بيغن الذي كان مستعداً للتوجه إلى كامب ديفيد تاركاً الانطباع بأنه سيبقى في سيناء حتى آخر أيامه, ولكنه عاد من هناك متنازلاً عن كل سيناء. أولمرت لايشبه أيضاً اسحق رابين الذي بدل موقفه الأساسي الرافض قطعياً للتفاوض مع منظمة التحرير وعمل على تطبيق اتفاقيات أوسلو, بل لايشبه أولمرت حتى شارون الذي أتاح له أسلوبه الهزلي رد الادعاء بأن إخلاء قطاع غزة هو خرق تام, لنهجه السياسي الاستيطاني, أولمرت مجبول من طينة أخرى.. إنه سياسي عادي يفتقد للكاريزما المؤثرة, والقدرة على جر الجماهير من ورائه إلى طريق جديد. وعندما يتلعثم رئيس الوزراء في لسانه ويرسل إشارات متناقضة في خطابه لجمهور شاس من جهة وللفلسطينيين من جهة أخرى, فإنه يبدو كمهرج يوشك على السقوط عن الحبل الرفيع, أكثر منه سياسياً حاذقاً يعرف طريقه جيداً, وعندما يصرح أولمرت بأننا لانتحدث مع الفلسطينيين حول القدس اليوم فهو يترك انطباعاً بأنه ضعيف, والجمهور الذي يصغي إليه يسأل نفسه: وماذا سيحدث غداً, هل سيتواصل الصمت حول مستقبل المدينة? والتساؤل البديهي الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت الحاجة إلى التسوية حول مكانة القدس تشكل جوهر الصراع, كيف يمكن إذاً تجنب البحث في هذا الأمر?. في الظروف الحالية, حيث القيادة الفلسطينية ضعيفة, والحكومة الإسرائيلية مهددة من شاس, تفوح من المفاوضات رائحة عدم الجدية, ومن المفترض أن تدور المفاوضات الحقيقية حول القضايا المختلفة المطروحة على بساط البحث وأن تستجر نقاشاً داخلياً صعباً في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية, وعندما لايحدث كل هذا, وتقتصر مفاوضات أبو مازن وأولمرت على اللقاءات الدبلوماسية اللطيفة, ولا يحدث أي تغير حقيقي على الأرض في سلوك الجانبين, فإن الاتصالات السياسية بينهما ستكون مثل رقص مسرحي زائف. والطبيعة الاستعراضية للمفاوضات التي تلائم الواقع السياسي في (إسرائيل )تبرهن على هذا النهج, وتشير أغلب الاستطلاعات إلى تأييد معظم الجمهور في هذا الوقت لحزب الليكود وباقي أحزاب اليمين, وهو مايعكس أيضاً المزاج السائد في الكنيست, الأمر الذي يحكم على العملية السياسية التي يقودها أولمرت بالتلاشي من تلقاء نفسها. مانريد قوله هو إن القادة الذين يتحدثون باستقامة مع شعبهم ويشركونهم في جوهر المفاوضات ويبسطون أمامهم المصاعب ولايخفون عنهم التنازلات الضرورية هم القادة الحقيقيون, و لكن الواقع الإسرائيلي الحالي ليس على هذا النحو, وأولمرت وشركاؤه في الحكم يعتقدون لسبب ما إن السلام يصنع فقط بالحيل والشطارات اللفظية. |
|