|
شؤون سياسية بهدف سلخ انتمائه وتشويهه، واستبدال الجنسية السورية المتوارثة جيلاً بعد جيل بجنسية إسرائيلية، السبب المباشر لانتفاضة شباط التاريخية التي خاضها السكان العزل من أبناء الجولان السوري المحتل، فلم يكن غريباً أن تقوم إسرائيل بضم الجولان إلى كيانها، متحدية القوانين والمواثيق الدولية، ورغبات وطموح السكان الأصليين، الذين رفضوا وما زالوا يرفضون الاحتلال الإسرائيلي. هذا الرفض الذي تجلى في شعبيته وجماهيريته وفرديته، فأن تحاول اغتيال شعب أو مجتمع أو فرد سياسياً فهذه جريمة إنسانية، وأن تحاول تجريد شعب من انتمائه وجذوره وتاريخه، واستبداله بانتماء هش جديد لا يحمل تاريخاً وماضياً وذكريات وجذوراً، فهذه مأساة مظلمة في الأعراف الإنسانية، وأن تحاصر شعباً بنسائه وشيوخه وشبابه، وتمارس أبشع وسائل القمع والقتل والتعذيب، فهذه جريمة حرب بحق الإنسان والإنسانية. إن مسألة ضم الجولان كانت تحظى تقريباً بإجماع من قبل جميع الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وحتى عام 1981 فإن نسبة المطالبين بضم الهضبة لم تنخفض عن 70٪، وفي تاريخ 22/12/1980، تقدمت عضو الكنيست غيؤولا كوهين بمشروع يقضي بضم الجولان، لكن هذا المشروع سحب وذلك تجنباً لإحراج الولايات المتحدة الملتزمة بكامب ديفيد، لذلك ارتأى مناحيم بيغن خلق جو سياسي مناسب قبل البدء بتطبيق القرار بشكل قانوني، فأراد أن يصدر بطاقات هوية إسرائيلية للمواطنين السوريين، وبذلك تقول إسرائيل للعالم إن مواطني الجولان قد تخلوا عن مواطنهم السورية، تمهيداً لضمه وإلحاقه بكيانها مخالفة بذلك كل المعاهدات الدولية التي تنص عليها معاهدات جنيف، ضاربة عرض الحائط برفض السكان العرب السوريين لأي محاولة إسرائيلية لسلخهم عن وطنهم وأمتهم العربية العريقة، من خلال البيان العام الموجه إلى الرأي العام الذي أصدروه في 16/1/1979: (نحن جماهير الجولان السوري المحتل، وبعد أن حضر ممثلو قرى مرتفعات الجولان السورية المحتلة إلى هذا الاجتماع الجماهيري المنعقد في رحاب المجلس الديني في مجدل شمس، وبعد أن تشاورنا وتبادلنا الرأي قررنا بالأصالة عن أنفسنا وبالنيابة عن ذوينا وبالإجماع أن نرفض المشروع الداعي إلى تسليمنا هويات إسرائيلية رفضاً باتاً، وأن نتبرأ من كل الداعين والعاملين لتنفيذ ذلك والإعلان أنهم لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال ولا يحق لهم التكلم باسمنا، وبنفس الوقت ندين كل شخص من منطقتنا يطابق أو يوافق على هذا ونعتبره خارجاً على ما أجمعت عليه إرادتنا واتفقت بشأنه كلمتنا ومتلاعباً بكرامة مجتمعنا ومدنساً لأصالتنا العربية وخائناً يستحق منا الاحتقار والسخط وغضب المجتمع عليه). لقد عبر مواطنو الجولان في اجتماعهم الشعبي الذي يشارك فيه أكثر من 1200 مواطن، في بلدة مجدل شمس عن رفضهم للمخطط الإسرائيلي الذي هدف إلى خداع الرأي العام العالمي والعربي بأن سكان الجولان أصبحوا مواطنين في إسرائيل، ويجب إخضاع الأرض والسيادة عليها إلى سلطة القانون الإسرائيلي، تمهيداً لتشريع قانون ضم الجولان بعد تجنيس سكانه العرب السوريين. كما التزم أبناء الجولان بقرارات الوثيقة الوطنية الصادرة عن مواطني الجولان في 25/3/1981 والتي تعتبر دستوراً وطنياً ملزماً، وجاء فيها: (نحن المواطنين السوريين في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاماً علينا أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي والإسرائيلي، ومن أجل الحقيقة والتاريخ وبصراحة ووضوح تامين عن حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولته ضم الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق القانون الإسرائيلي علينا حيناً آخر، وجرنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي، والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية، التي نعتز ونتشرف بالانتساب إليها، ولا نريد بديلاً منها، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام، الذين تحدرنا من أصلابهم، وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلمها بكل فخر واعتزاز، وليست لنا لغة قومية سواها، وأخذنا عنهم أراضينا الغالية على قلوبنا وورثناها أباً عن جد منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين، أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا، حيث لم يقصروا يوماً في الذود عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مر التاريخ، والتي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلفوه لنا، وألا نفرط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من قبل السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا، ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات، وهذا موقف بديهي وطبيعي جداً أن نقفه، وهو موقف كل شعب يتعرض كله أو جزء منه للاحتلال، وانطلاقا من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة). شمولية هذا الموقف الشعبي الرافض، دفعت إسرائيل إلى أن تقوم في حملة شرسة تستهدف إرهاب السكان وتخويفهم في اعتقالات واسعة النطاق طالت الشيوخ وكبار السن، وحتى النساء، وفصلت عشرات الموظفين والمعلمين والعمال الذين حضروا الاجتماع، والتزموا بقرارات الاجتماع الشعبي، وقرارات الوثيقة الوطنية الصادرة عن مواطني الجولان وداهمت البيوت وصادرت الأملاك، وأقامت الحواجز العسكرية، وفرضت مخالفات وعقوبات جزائية على أبناء الجولان لأتفه الأسباب، ومصادرة سياراتهم، وعدم السماح للمرضى بالتوجه إلى المشافي لتلقي العلاج. أمام هذا الوضع الجديد الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أرض الجولان كان ولا بد لمواطني الجولان من تجنيد قواهم، والدفاع عن وجودهم، وانتمائهم التاريخي والحضاري لأمتهم وشعبهم، كما يحتمه الواجب الوطني والقومي والإنساني، فكانت وقفتهم الجماهيرية والشعبية الواحدة نبراساً لانتزاع حقوقهم التي تستلب منهم، وتصادر عنوة، فكان إعلانهم خوض الإضراب العام والمفتوح احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية التي تبتلعهم مع أرضهم وخيراتهم وتاريخهم (بتاريخ 13/2/1982 اتخذنا قراراً بالإضراب العام والشامل وغير المحدود، لم نتخذ هذا القرار تعسفاً، ولا حباً بالإضراب، بل يجب أن يعلم القاصي والداني أنه لم يكن لدينا أي خيار سوى الوقوف بصلابة في سبيل كرامتنا وأخلاقنا الوطنية، غير القابلة لأي تغيير أو تبديل، لا يسعنا إلا أن نؤكد من جديد، وأن نعلن للملأ، أنه مهما طال ليل الاحتلال علينا، فلن نتنازل عن هويتنا، وعن كوننا عرباً سوريين. khaledgolan@yahoo.com |
|