|
دين ودنيا ربما تسألني وبمَ أفكِّر ؟ وكيف أُعمل عقلي إعمالاً يرضي ربي وينفع نفسي وينفع بلدي وينفع الجميع ؟ دلني على عمل لعقلي يناسبه. إذا كان الفكِّر حركة العقل وعمله، أنت تفكِّر فأنت صاحب عقل، فما الذي يجب أن تفكِّر فيه، وما نتائج هذا الذي تفكِّر فيه، ومن خلال النتائج نحكم على عملية الفكِّر والتفكير. أعيد: يسألني الشاب والكبير والصغير: أليس الفكر عمل العقل وحركته ووظيفته ؟ الجواب: بلى. دلني على موضوع لعمل العقل وحركته، أحصد من ورائه نتيجة طيبة. أخي المسلم: أنت تمشي في الشارع، وأنت تدخل بيتك، وأنت تجلس بينك وبين نفسك، وأنت تذهب في نزهة ما، وأنت تسمع الأخبار، عقلك يعمل ويفكِّر، لكنه يشتغل ويفكِّر من غير رقابة منك عليه، أتريد أن تعطي لإنسانيتك حقها المفروضة عليك ؟ إذاً راقب عمل عقلك وراقب حركة عقلك، راقب فكِّرك، وها أنذا أدعوك إلى مواطن إن فكِّرت فيها فستحصد نتائج طيبة. تعال معي من أجل أن نفكِّر في آيات الله تفكيراً موظفاً مراقباً نريد من ورائه نتيجة، إن فكِّرت في آيات الله وكل ما تراه عينك من آيات الله، إن فكِّرت في آيات الله حصدت المعرفة والإيمان، فكِّر عندما تسير في شارع ما أو عندما تكون راكباً، فكِّر في هذا الكون الفسيح، فكِّر في هذا المطر، فكِّر في هذا الليل الساكن الهادئ، فكِّر في هذه الشمس، فكِّر في هذا الوليد الذي تراه أمامك، فكِّر في مخلوقات الله كافة، إن فكِّرت تفكيراً وظيفياً مراقباً في آيات الله حصدتَ معرفة وإيماناً، وأنا أريد لنفسي وإياكم أن يزيد الإيمان في قلوبنا: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكِّرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)، يفكِّرون في خلق السموات والأرض، يحصدون من وراء ذلك نتيجة هي المعرفة والإيمان، المعرفة التي تزداد، والإيمان الذي يتعمق ويزداد، فكِّر في آيات الله من أجل أن تحصد معرفة وإيماناً. ثانياً: فكِّر في نعم الله عليك تفكيراً مضبوطاً مراقباً موظفاً توظيفاً جيداً، فكِّر في نعمة البصر التي أعطيتها، من الذي أعطاك نعمة البصر ؟ من الذي أعطاك نعمة الوجود ؟ من الذي أعطاك هذا الذي أنت فيه ؟ من الذي أعطاك نعمة الذوق واللمس ؟ من الذي أعطاك نعمة الحركة ؟ من الذي أعطاك نعمة الوجود المميز فكنت إنساناً ؟ توجِّه إلى المنعم من أجل أن تحبه فإن فكِّرت في آلاء الله فستحصد المحبة لله عز وجل: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)، هل فكِّرت ؟ حينما ينعم عليك بعض الناس بنعمة، تقول لزوجتك ولأبيك ولصديقك فلان أنعم علي، وظفَني، فلان أنعم علي أعطاني، فلان أنعم علي مدحني، هكذا تقول، وأنا محتار كيف أردُّ له هذه النعمة. ألم تفكِّر في نعم المنعم المطلق عليك حتى ترد له بعض ما يمكن أن ترده له من نعمه. فكِّر في آلاء الله من أجل أن تحب الله: (أحبوا الله) هكذا قال سيدي رسول الله كما يروي الترمذي (( أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي )) فكِّر في آلاء الله عليك، لكنني أرى منك إعراضاً عن التفكير في آلاء الله وبالتالي لم أعد أشعر، ولا أعمم، لم أعد أشعر بوجود تلك المحبة لربك في قلبك، لأن محبة الله إن كانت في قلبك فستكون إنساناً رفيقاً شفافاً مهذباً عادلاً، وستكون إنساناً معطياً، وستكون إنساناً مؤثراً، وستكون إنساناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لكن الحال سوى ذلك وهذا ما نتج عن عدم تفكيرنا في آلاء الله، وبالتالي لم تتولد محبة ربنا في قلوبنا. ثالثاً: التفكير في وعيد الله يحملك على أن تبتعد عن الآثام والمعاصي، فكِّر نصف ساعة في اليوم في وعيد الله، عندما يفكِّر الواحد منا اليوم في الوعيد الذي طُرح قانوناً للسير، خفَّت المخالفات لأن الوعيد أضحى قاسياً، المخالفة الأقل ربما خمسة آلاف، وتصل المخالفة إلى خمسين ألفاً، صار الواحد منا يفكِّر جدياً في الابتعاد عن المخالفات في سيره ومروره، التفكير في وعيد الله سيولد فينا اجتناب وإرادة الاجتناب لمعاصٍ وآثام لطالما كانت السبب الذي يجعلنا أذلة أمام أعدائنا، لأن المعاصي سبب من أسباب الخذلان والفشل الذي نذوق مرارته صباح مساء والذي نشرب من كأسه يوماً بعد يوم. رابعاً: التفكير في وعد الله يحملك على الطاعة والامتثال الله. الله وعدنا بجنة هل هذا الوعد صادق أم أن الوعد كاذب ؟ حاشاك يا ربنا الوعد صادق، وعدنا ربنا بنظرٍ إلى وجهه الكريم، وعدنا ربنا بتمكين في الدنيا قبل الآخرة فإن فكِّرت في هذا الوعد من ربك عز وجل حملك هذا التفكير على أن تطيع ربك على أن تمتثل أوامر ربك (إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً وكواعب أتراباً وكأساً دهاقاً )، مفازاً في الدنيا والآخرة (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً)، وعد بجنة، وعد بنعيم مقيم، وعد بخلود عند ربنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، وعد بنظر ولذة النظر إلى وجه الله الكريم، فكِّر في هذه الوعود من رب العزة جلت قدرته من أجل أن تكون طائعاً ممتثلاً ملتزماً. وقف عمار بن ياسر في غزوة أحد ينادي هؤلاء الذين أعرضوا وفرّوا يا هؤلاء أمِنَ الجنة تفرون ؟ لقد وعد الذين يجاهدون الجنة أفمن الجنة تفرون ؟ التفكير في وعد الله يدفعنا للطاعة. خامساً: التفكير في وضع المسلمين اليوم يولد لدينا شعور بالمسؤولية، قلت على المنبر يوماً: أنا أشعر بالمسؤولية إذاً أنا موجود: (من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) رواه الحاكم وصححه، فكِّر في حال المسلمين. إن ربك حينما ينظر إليك فيراك وقد اهتممت بأمر المسلمين في فلسطين، في لبنان، في السودان، ولم تستطع إلا أن تتوجه إليه بالدعاء لهم فأنت قد قمت بالمسؤولية التي تستطيع القيام بها، ولنعم الرجل أنت، ولنعم المرأة أنتِ حينما تقومين بالدعاء لمسلمات مثلك في فلسطين يعانين ما يعانين، فقدن أزواجهن وآباءهن وأمهاتهن فقدن أولادهن فقدن أموالهن، عندما تفكِّر بشاب مثلك فقد بيته فقد أباه فقد أمه تقول لي بعدها لماذا أفكِّر وأنا لا أستطيع فعل شيء ؟ أقول بل تستطيع فعل كل شيء، إن كنت تاجراً فأرسل من مالك فالقضية تحتاج إلى مال ولا يشترط في المال الذي تقدمه أن يكون كثيراً بل حسبك أن تقدم الذي تستطيع، أن تقدم قيمة غداء وأن تستبدل بالغداء الذي كنت ستتناوله غداءً بسيطاً جداً وأن ترسل الغداء إلى إخوانك في العراق وفي فلسطين وفي السودان وفي لبنان وحتى هنا، هناك فقراء لا تفكِّرون فيهم، هنالك أشخاص يحتاجون إلى ما ترمونه أنتم من فتات على موائدكم وترمونه في سلة المهملات. فكِّروا في أحوال المسلمين من أجل أن تتولد فينا مسؤولية أرادها الله عز وجل مسؤولية حازمة فيما يخص موقفنا نحوها، إننا إذ نفكِّر في أحوال المسلمين فستتولد المسؤولية وهي إما أن تكون إسهاماً بعمل أو بمال أو بدعاء. اللهم وفقنا للتفكير الجاد، وفقنا لتفكيرٍ جاد في آياتك وفي آلائك وفي وعيدك وفي وعدك وفي حال المسلمين. * مفتي حلب |
|