تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القمة العربية بين آمال الأمة وضرورات تحررها

دراسات
الخميس 20/3/2008
بقلم الدكتور - فايز عز الدين

في آذار من كل عام يرتفع توتر الوجدان العربي القومي لدى جماهير الأمة العربية من محيطها إلى خليجها, وتتوهج الآمال في موسم للوفاق العربي ينتج الصحوة العربية اللازمة في زمن لم تعد فيه الاستراتيجيات المتباعدة لدى النظام الرسمي العربي أمراً لا يثير القلق عند الفرد العربي,

أو عند الأمة بمجموعة أفرادها طالما أن مبادىء وأهداف ميثاق الجامعة العربية, وتحديث وتطوير أساليب العمل العربي وآلياته, وتقوية وتعزيز أجهزة العمل العربي المشترك المنوط بها -بالأساس- التعامل مع كل التحديات التي تواجهها الأمة العربية حفاظاً على المصالح العليا, وتحقيق الطموحات لم تعمل -حتى اللحظة- كما يتجاوب مع نبض الشارع العربي, ويختط السبل اللازمة التي تحمي الوجود العربي الجيوتاريخي على أرض الأمة في عصر التدخل الأمروصهيوني في شؤون السيادة الداخلية, وعدم التورع عن فعل أي شيء يحمي المشروع الصهيوني,ويعيد إليه الأمل بالدولة التلمودية بعد أن كسرت جماهيرنا المقاومة لإسرائيل هذا المشروع وصارت القوة الإقليمية العربية لدى سورية, والمقاومة في لبنان والعراق وفلسطين تتحدى منطق الغطرسة الأمروصهيوني وتجعل الحروب أبغض الخيارات ليس لدى من يتولى شؤون الدولة في أميركا و(إسرائيل) بل لدى شعبهما كذلك.‏

وفي استطلاعات الرأي العام العربي تتوجه الآراء نحو الرغبة العارمة عند الناس العرب من العراق إلى موريتانيا إلى قمة للقرار العربي الذي يحقق الطموحات في موقف عربي -على مستوى القمة- يعزز كفاح المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والجولان وجنوب لبنان, والمقاومة العربية للاحتلال الأميركي للعراق وللتدخل في الشؤون العربية من دارفور إلى الصحراء العربية.‏

ويرى الجمهور العربي إلى مؤتمر القمة على أنه المستوى الأعلى في النظام العربي الذي تعقد عليه الآمال بالنظر باستحقاقات الأمن القومي العربي بمجالاته كافة, وإزاء ذلك ما يحتاجه حال الأمة من تضامن ووقفة مشتركة, وعمل عربي متعاضد في أجواء عالمية حاضرة لا تعطى للعرب إن لم يكن العرب قادرين على انتزاع حقوقهم, ولا تجبر إسرائيل إن لم يكن العرب أصلاً قادرين على إجبارها بحالهم المتماسك وإرادتهم الموحدة.‏

وحين يتضمن جدول أعمال القمة قضايا الصراع العربي ضد إسرائيل وداعمها الإمبريالي, وما تتضمنه مكونات هذا الصراع وآفاق تطوراته في ظرف تشن إسرائيل فيه حرب إبادة على غزة والقطاع, وتسعى لإقامة أكثر من سبعمئة وخمسين مستوطنة,وتسرق المياه العربية من الجولان ولبنان, وتتسارع وتيرة ضمها للقدس, وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها, وتقيم أسوأ جدار للعزل العنصري, وتعلن يهودية الدولة الصهيونية حتى تتمكن من إنهاء القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة عام ,1948 كما ترهص بالاستعدادات لترحيل عرب الأرض المحتلة إلى الدولة الفلسطينية المزمعة التي لم تظهر إسرائيل أي رغبة في أن تكون دولة متصلة, وقابلة للحياة, إن ذلك كله يعتبر اليوم العامل الأهم في تحديد الوجود العربي الراهن,وأمن المصير المشترك للعرب على أرضهم التاريخية, وهنا تقع أهمية مؤتمر القمة العربية في دورته العشرين, وفي دمشق تحديداً, فدمشق عاصمة الصمود والمقاومة, ودمشق كانت ولا تزال متمسكة بالمؤتمرات على مستوى القمة ولا ترى الحلول إلا بها على قاعدة أن الأمة حين تواجهها التحديات فمن لها قبل العودة إلى ذاتها وحشد إمكاناتها وتعبئة طاقاتها وتحديد استراتيجياتها, ومن دون مؤسسة القمة العربية كيف تجد هذه القضايا طريقاً نحو التحقق?!!‏

يعقد مؤتمر القمة على جدول عمل حاسم في لحظة الوجود العربي المعاشة, فأميركا لا تزال في تغولها على العالم والعراق العربي تحديداً, وإسرائيل لم تحترم بعد إرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة, ولم تستجب حتى للمبادرة العربية للسلام التي طرحت منذ قمة بيروت, ولما تزل تعطل عملية السلام القائم على العدل ولا تضع في أي حساب حقوق العرب, وتتعمد -بمساعدة أميركا- عملية الخلط بين النضال الوطني التحرري والإرهاب كي تحول كفاح العرب التحرري من العراق إلى لبنان وسورية وفلسطين والصومال والسودان وجزر القمر إلى إرهاب, وتجبر العرب على حماية الاحتلال وعدم المساس بجنود الغاصبين, والسماح بتجريف الثروة العربية ورهن المستقبل العربي لمصلحة المشروعين الشرق أوسطيين: الإسرائيلي والأميركي.‏

ومن غريب الحال أن تتجاهل أميركا سجلها الأسود في حقوق الإنسان والأوطان والأمم لتشير إلى غيرها في هذه المسألة وتوجه له الإدانة,ومن الغريب أن تنصّب نفسها القيِّم على العالم الديمقراطي, وهي تشهد اليوم أخطر دولة بوليسية, تدخلية صار يرفضها شعبها والقادة القدامى فيها وأصحاب الرأي,وتصاعدت وتائر القرار من إدارتها وها هو فالون قائد المنطقة الوسطى من الجيوش الأميركية آخر الفارين.‏

والطبيعي حيث تستقبل سورية القمة العشرين للقادة العرب أن تقدم رؤيتها التحضيرية المتصلة بالمستقبل العربي حين أدرجت -على إثر اجتماع مجلس الجامعة الأخير على مستوى وزراء الخارجية العرب لتحديد مشروع جدول أعمال القمة- بندين جديدين: الأول يتعلق بالعقد العربي للشباب 2008-,2017 والثاني بمشروع للنهوض.‏

وبهذا تكون سورية التي لم تخرج من دائرة أمتها وعروبتها وقدمت على طريق الكفاح العربي ضد الصهيونية كافة ما تملك من إمكانات مادية وبشرية, وجعلت قضية فلسطين وما زالت القضية المركزية للعرب وربطت شؤون تنميتها الاقتصادية واستراتيجيات قوتها باتجاه تحرير الأرض أولاً ومقاومة الوجود الاستعماري على أي أرض عربية ثانياً, وناصرت قوى الحرية على أي رقعة عالمية.‏

إن سورية بهذا المؤتمر ستكون الممثل المخلص لنبض الشارع العربي الرافض لسياسات التنازل أمام العدوان الأمروصهيوني, والطامح نحو مواجهة التحديات والمتطلع دوماً نحو الحفاظ على أمن أمتنا القومي, وسلامة دولها من مخططات الاحتلال والتقسيم وضرب الوحدة الجغرافية ونسف العقد الاجتماعي التاريخي بين أبنائها.‏

وكلما انحسرت الفجوة بين النظم الثلاثة القائمة في الحياة العربية, الرسمي والإقليمي العربي والشعبي, اقتربت الرؤى, وتحقق التضامن, وتحددت الأهداف المشتركة, وقام الهيكل التوحيدي الذي ما زال حلم العربي, وإلى ذلك اليوم الذي سينعقد فيه المؤتمر يوم 29 آذار 2008 ستبقى القلوب مشدودة إلى روح عربية خالقة لكل جو مشترك, وصانعة لكل دور واحد, ومتأهبة لكل قرار يجعلنا أمة المجد,وشعب الانتصارات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية