|
شؤون سياسية فآليات الحياة في تطور دائم وتتطلب مواكبة عالية الأداء والوعي والتطوير في الفكر والممارسة والوسائل والأهداف وقراءة المستجدات قراءة واعية, وهذا الفهم العلمي لديناميكية التطور من قبل القائد الراحل حافظ الأسد جعل من حركة التصحيح ضرورة وحاجة جماهيرية قطرياً وعربياً, وجعل من سورية دولة محورية, وهذا ما أكدته الأحداث فيما بعد وما تؤكده الآن في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد.
حركة التصحيح لم تأت فقط لتصحيح مسار السياسة الداخلية في سورية, وإنما لتصحيح مسارات السياسة السورية عربياً ودولياً, فأصبحت حركة التصحيح على الأصعدة المحلية والعربية والدولية حالة مهمة جداًو نقلت سورية من دولة عادية على خارطة الأحداث إلى دولة محورية, ونجحت في أن تلعب دوراً هاماً ورئيساً في أحداث العالم العربي والمنطقة, ووضعت سورية (الرئيس حافظ الأسد) على خارطة الدول التي لها تأثيرها الفاعل والمهم. ثمة قضايا كثيرة تشغل بال القائد حافظ الأسد بحكم مكونه العروبي والوطني وإيمانه بقوة هذه الأمة ودورها التاريخي, ومن إيمانه بأن دمشق كانت نبض العروبة وبوابة أي عمل عربي مشرق, لهذا كان يشعر بأنه مطالب بإنجاز استحقاقات كبيرة ليس على مستوى القطر وحسب وإنما على مستوى الأمة. لعل من اللافت في تلك المرحلة التي نهضت فيها حركة التصحيح حاجة الناس في سورية إلى مجموعة كبيرة من الاستحقاقات التي كان على حركة التصحيح أن تقدمها بدءاً من رغيف الخبز وحاجات الناس اليومية, إلى تحرير الأرض وإلى حرية الفكر والإعلام والأحزاب والناس, فنكسة حزيران كانت الحدث الأكثر قسوة على مشاعر الجماهير التي أصابتها نكسة حزيران بهزيمة حادة اخترقت روحها وكان ذلك يتطلب علاجاً سريعاً لم تكن القيادة قبل التصحيح تتجه إليه, ومن الأهداف التي كانت الجماهير تحلم بها وبتحقيقها عودة الحزب إلى جماهيره لأن الحزب لم يكن دخيلاً على الحياة السياسية في سورية وإنما كان نتيجة مخاض طويل عاشته الجماهير وهي تبني نظرية الحزب النضالية, فالفجوة بين الحزب والجماهير كانت تعني خنق هذه الجماهير وعزلها عن محيطها الحقيقي, فقد كانت القيادة الحزبية تمتلك عقلية متسلطة ومناورة أبعدت الحزب عن جماهيره وعزلت سورية عربياً ودولياً بتصنيفات وسلوكيات وممارسات بدت كمراهقة سياسية مملوءة بالمزادات على حساب الوطن ومستقبله. كانت لدى الجماهير في سورية رغبة كبيرة للخلاص من تلك العقلية التي أظهرت الحزب على غير ما كانت الجماهير تعتقده وتعرفه فيه, وهذا ما جعل السوريين عامة قبل التصحيح في حالة من الغضب المحقون وفي وضع نفسي سيىء ويائس, وبدا القلق على البعثيين واضحاً وراح هذا القلق يكبر ليصل بهم وبالوطن إلى حد الأزمة, وصار مطلوباً الخروج من هذا الواقع وإلا فإن سورية على أبواب ضياع حقيقي وما ساهم في تأزم الأوضاع حالة الجيش الذي كان مصاباً باليأس والهزيمة وبفقدان الأمل بحرب جديدة تعيد الأرض وتعيد للقوات المسلحة كرامتها وثقتها بنفسها وبقيادتها, وما كان يرهق البعثيين سلوك القيادة الذي بدا صبيانياً ومتخبطاً في الشأنين العربي والدولي إضافة إلى التخبط في الشأن الداخلي. المراجع للأحداث في تلك الآونة وأقصد ما قبل التصحيح يدرك مدى حاجة الوطن إلى ثورة حقيقية متكاملة تستنهض الوطن من جديد فكانت حركة التصحيح, وكانت بداية تاريخ مجيد لقيادة تاريخية. وجد الرئيس الأسد ضالة الجماهير بالتأكيد على استمرارية روح آذار والنهوض بالواقع الديمقراطي في الحزب وعلاقة الحزب بالجماهير, والتأكيد على ممارسة الديمقراطية في حرية المواطن وأمنه وحفظ كرامته واحترام المؤسسات الديمقراطية والتأكيد على أهميتها, يقول الرئيس الأسد (نؤكد على احترام حرية المواطن وتوفير أمنه وحفظ كرامته واحترام المؤسسات الديمقراطية وإطلاق قواها نحو التفاعل الوطني البناء وإعادة النظر في أساليب تطبيق الديمقراطية الشعبية في المؤسسات الدستورية ومنظماتنا الشعبية والمهنية). كان الرئيس مملوءاً بأحاسيس الناس وبمشاعرهم ويدرك ما يسكنهم من أحلام وآمال, فأكد على أهمية المنظمات الشعبية والمهنية وعلى دورها في تفعيل قطاعاتها وأعطاها حرية اختيار قوانينها وأنظمتها فقد خاطب الفلاحين (إن كل ما يرغبه الفلاحون يصبح قراراً نافذاً). وكان الرئيس الأسد يمتلك رؤية للديمقراطية تنطلق من خصوصية الوطن فالديمقراطية نتاج نضال تحققه الجماهير وطريق تختاره لتسلكه, يقول الرئيس الأسد )إن صيغة الديمقراطية ليست سلعة تستورد من هذا البلد أو ذاك وإنما هي الإطار الذي يمارس فيه المواطنون حقوقهم وواجباتهم وفق ظروفهم المرحلية, ولكي يمارس شعب من الشعوب الحياة الديمقراطية لا بد من تحقيق توازن دقيق جداً بين الصيغة, أعني الهيكلية والقوانين وبين محصلة المعطيات الثقافية والتراثية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها هذا الشعب( إن رؤية الرئيس الأسد كانت واعية وتنطلق من اقتناع حقيقي بالشعب وبمحصلة معطياته الثقافية, وهذا ما كان السوريون يحتاجون إليه وهو ما يؤمنون به الآن وفي أي وقت, وأكثر ما كان يؤرق الرئيس الأسد الاحتلال الإسرائيلي للجولان وللأراضي العربية الأخرى في مصر والضفة وغزة, فكان يرى أن الديمقراطية هي الطريق الصحيح لتحرير الأرض وتفجير طاقات الأمة لبناء قوة حقيقية اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً قادرة على المواجهة والبناء والتحرير, ورأى أن التضامن العربي قادر على إنجاز مهام البناء والتحرير وجعل الأمة قوية وفاعلة وفي موقع الاحترام, ولهذا كانت حرب تشرين التحريرية نتاج فعل لهذا التضامن الذي أنجزه الرئيس حافظ الأسد. وكان الرئيس حافظ الأسد يؤكد على تلازم الحرية والقوة فيقول: )إننا أحرار بقدر ما نملك من قوة, وأقوياء بمقدار ما نملك من حرية( ويتابع: (لكي نخوض المعركة بمجموع الشعب يجب أن نوفر للشعب مناخ الحرية). لم تكن حركة التصحيح حركة انقلابية تهدف إلى الاستيلاء على السلطة., وإنما كانت ثورة متكاملة, ثورة اجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية وفكرية ونضالية تؤطرها الديمقراطية ليقوم الوطن كله في صناعة تاريخ جديد, وبالرغم أن حركة التصحيح بدت وكأنها حركة داخل الحزب فقد كانت في مضمونها وأبعادها حركة جماهيرية ومطلباً جماهيرياً, فأكدت الجماهير التفافها حول الرئيس الأسد, وأكد الرئيس الأسد عمق العلاقة بالجماهير بالعطاءات التي راحت مسيرة التصحيح تنجزها وتخطط لإنجازها, وأكدت رؤيته للتعددية السياسية والاقتصادية على أجندة كل القوى الوطنية في تحقيق مشاركة واسعة وعميقة في تحقيق تغييرات كبرى عربية ودولية تمنح سورية إثراء في مسيرتها السياسية وفي رؤيتها لتحرير الأرض وتعزيز العلاقة القومية والنضالية مع الأقطار العربية ومع القوى المحبة للسلام في العالم والمعادية للإمبريالية والصهيونية. وأدرك الرئيس الأسد ضرورة الاستفادة من القوى الوطنية جميعها وضرورة توحيد مواقفها وحركتها وتمكينها من المشاركة في البناء السياسي والاجتماعي والتأكيد على دورها في ظل حركة التصحيح, فكانت داخل إطار الجبهة الوطنية التقدمية, ونهض الرئيس الأسد بالمؤسسات التشريعية وأكد دورها واستقلالها في العمل وفعّل دور القانون ومؤسسات القضاء والتعليم والثقافة ودعا إلى حرية الصحافة ووسائل الإعلام وحرية الفكر والإبداع وأن لارقابة على الفكر سوى رقابة الضمير, ورأى في كل ذلك مقدمة صحيحة لتحرير الأرض, فكانت حرب تشرين التحريرية, وهذه الحرب لم تكن سوى نتيجة منطقية لتلك الحركة التصحيحية التي يقودها قائد فذ هو الرئيس حافظ الأسد, ونشطت كل القوى المعادية في الداخل والخارج إلى معاداة هذه الحركة, ووضع العراقيل أمام مسيرتها التنموية والقومية, فدفعت أمريكا ببعض الأنظمة العربية إلى معاداة سورية وتحركت جماعات الإخوان المسلمين لتفجير الواقع الداخلي بقتل العلماء والجنود والعمال وأبناء الشعب وتدمير المؤسسات الاقتصادية والتربوية والصحية ولكن تماسك هذا الداخل وشجاعة الرئيس الأسد وحكمته, أفشلت كل المحاولات المعادية. بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد, أمسك الرئيس بشار الأسد بمبادئ التصحيح, وعمل على تطويرها انطلاقاً من الحاجة الكبرى والملحة لهذا التطوير, فالعالم أصبح أمام متغيرات كبيرة وجذرية, ومن بينها ظهور القطب الواحد (أمريكا) وسقوط منظومة الدول الاشتراكية, وتهدم حركات التحرر الوطني في بلدان كثيرة, وترهل أغلب الأحزاب القومية واليسارية التي كان لها تأثيرها في كثير من دول العالم والتي كانت تشكل قوة على المستوى الدولي, وهكذا تحركت دمشق عبر رؤية تطويرية إلى الإمساك بناصية العمل القومي, وفي تطوير وإصلاح الواقع الداخلي اقتصادياً وسياسياً, وفي إطلاق مسيرة التطوير والتحديث في المجالات كافة, ووقفت سورية بقيادته في مواجهة الحلف الصهيوني الأمريكي الذي ازداد شراسة بعد أحداث أيلول, وبعد الحرب على العراق, وبروز فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير وقد نجحت سورية في إفشال هذا المشروع وفي تحجيم الأحلام الإسرائيلية الأمريكية. وهاهي سورية اليوم دولة محورية هامة, لم تستطع شراسة المتآمرين عليها أمريكا وإسرائيل وقوى إقليمية من تحجيم دورها وفاعليتها, وحققت خطوات هامة في مجال البناء الاقتصادي والسياسي والإعلامي, وفي بناء علاقات مع المقاومة العربية ودعمها في لبنان وفلسطين والعراق وفي كل مكان, لأن إيمان سورية بأن المقاومة هي طريق الكرامة والعزة وأن العروبة هي الإطار الحقيقي لهذه الأمة النابضة بمجد التاريخ وحيويته. |
|