تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما حسبت أن الزمن غادر في حقيبتك ..

ثقافة
الجمعة 14/11/2008
محمود شيخ عيسى

عندما قرر الزمن أن يحزم حقائبه في رحلة تمتد شاقولياً وأفقياً في الزمان والمكان; خيل لي أنه مزمع على السفر وحده لايريد صاحباً أو خليلاً يشركانه طول الطريق وقلة الزاد ووحشة السفر.

لم أعرف سبب اقدامه على اتخاذ مثل هذا القرار الذي بدا لي أنه يظلم نفسه باتخاذه, لكنني لم ألو على شيء ولذت بحاجز الصمت اقف على جداره صدى صرخة حائرة ضاعت بين الأمس والغد.‏

تراكض البحر خفيفاً في عدوه كنت أراه متنقلا تنقل العصفور البعيد فوق الأفنان القريبة, واعترتني موجة غامرة من رمل المفاجأة عندما شاهدت البحر وقد اعطى امواجه اجازة طويلة حتى اشعار اخر.‏

هذا الصباح كنت عاتبا على الشمس لان اشعتها الوردية اصرت على مداعبة نافذتي من بعيد, كأنها تخشى مغبة الاقتراب منها, ولعل اليوم كان متألما على حال العلاقة التي تجمعني بالشمس, قررت الا اخوض في جزئيات تلك العلاقة لكن كنت كمن يهرب من ظله الى ظله.‏

هي قطعة صغيرة من الليل تناثر فيها السواد فغمر الكون نورا , هل الح خدر الكأس على سلطان الخمر فانتزع منه تاجه العتيد?.‏

كل مالاح في الذاكرة عناقيد صورة مبهمة الابعاد استطعت وانا الملقى في زنزانة مواجهة الذات ان أتأمل كل مافيها من رونق ووداعة, فكتمت السر قفلا لايصل اليه باب الروح الموصد.‏

اتعجب كيف صبر القلب على الفراق , واغترف من صب اللقاء غرفة زادت اللهيب في حشاشته وقدا وانطفاء, فبغيابك ايتها العذبة اشعر ان الكون ذاهب حيث لارجعة وبوجودك اشعر ان الاستقرار قائم.‏

ايتها الام النقية التي تعدو في براري الشرايين من صورها أروع من الماء حيث يشهر العطش سيفه الفتاك, ومن ردها روحا تعود الى الجسد في صفحة الغيب ايذانا بمولود حياة جديدة, ومن غمّس في جوانحها القدرة على الانطلاق الى العالم الرحيب بعد ان كفرت الروح بسجن الضيق والعزلة?!.‏

لان الكتابة ارتماء في اتون اللهيب اعتذر القلم عن اسراج حصان الابداع, ولاذ بجبل الجليد فوجد النار فيه أحر من الشوق في كبد العاشق الملوع, ومنذ الحين والقلب يمنع عني كل همسة رائعة سربها اليك, لكن الروح التي اشفقت علي كانت تجد وسيلتها الخاصة لتحملها الي, فإذا بالكواكب تختار مداري فلكاً جديدا تعلن من خلاله ان حبي لك سيبقى اجمل قصيدة عزفتها قيثارة الهوى عبر العصور.‏

كل التحولات التي طرأت على هذا العالم وقلبت اموره رأسا على عقب كانت مبعث حيرة العلماء والمفكرين فيه, اجتمعوا وانطلقوا في مضمار البحث يفتشون عن قوانين تلك التغيرات.,‏

ولطالما خامرهم الشك اليقين انهم لن يصلوا الى مبتغاهم في العثور على الجواب المقنع, وعندها يئسوا وشعروا ان السفن فقدت المنارة وباتت عاجزة عن العودة المأمونة الى الشاطئ, حتى تراءى لهم وجهك الحاني من بعيد فجدد فيهم الامل ووجدوا انفسهم يهبطون على ارض اليقين بسلام بعد رحلة قاسية تشابك فيها الموت والحياة وامتزجا غصة مجبولة بقنديل الشك المشتعل الخابي.‏

ياشجرتنا الباقية مضيئة لتدرأ عنا مصير الهنود الحمر, أيتها الباقية شجرة ياسمين تفوح ابدا الآن يحق لنا ان نطمئن ان الحياة اصبحت اجمل من قبل لاننا ايقنا ان الزمن مازال في حقيبتك يامليكة الازمان كلها.. ياأمي..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية