|
معاً على الطريق ذلك منذ أن عرفت في العالم كعاصمة حضارة في ذلك الأوان حتى هذا الزمان, وقليل من تلك الأسفار التاريخية وصلت إلينا بلغات غير عربية قديمة أو حديثة على يد المستشرقين فلم نشك كثيراً في ذلك لأن مصادر التاريخ أصبحت ميسرة, وفك ألغاز اللغات بات ميسراً أيضا, إلا أننا وقد غمرنا التاريخ العربي الإسلامي منذ بناء الدولة أثناء الخلافة الأموية حتى الآن نعثر على ألوف المصادر التي رصدت لتاريخ دمشق, أو مآثر دمشق, أو حتى التغني بجمالها وبساتينها وسحرها الخ... وعناوين تلك المؤلفات تدل على ذلك, وما أطفأ بريقها كل ما مر على بلاد الشام عموماً من غزو أو استعمار, ومن ضياع لتلك الكتب أو محو لتلك الآثار. ولم يكن كل هذا من جانب أهل دمشق فقط بل من الذين يزورونها, أو يقيمون فيها مدة معينة, وحتى الرحالة الذين كانوا يعبرونها, ولو دققنا في اهتمام تلك الكتب والشعر والشعراء لوجدنا أن ما وصلنا هو غيض من فيض, وإن ما بين أيدينا يكاد يكون مفعماً بالدلالات والإشارات, وكاشفا عن اسماء محتها الأيام أو أطفأتها المحن لكنها لم تغرق في الظلام. نموذج واحد من عصور متأخرة نسبياً هو ( ابن عساكر) الدمشقي الذي وضع أكثر من ثمانين مصنفا في العلوم والفنون والتاريخ وكشف الظنون عن دمشق إلا أنه خص الشعراء بأكثر من ستة مؤلفات سماها (معجم الشعراء), يستطيع من يرجع إليها أن ينعش الذاكرة العربية بما غاب عنه من اسماء إبداعية. ويبدو أن الاهتمام بالشعر والشعراء, ورصد قصائدهم في دمشق ظل متواترا أكثر منه متوفراً, وقد حمل هذه الرسالة إيضاً من توزعوا في المهاجر وخاصة الأميركية بعد أن تشبعوا بالروح الشعرية التي هي العروبة والأوطان وأمجاد على الزمان. وبما أن دمشق تتألق اليوم كعاصمة ثقافية فإن هذا الحنين إلى رصد الشعر والشعراء يتجلى في كتاب وضعه أحد الأوفياء وهو الكاتب والصحفي المعروف جان ألكسان بعنوان ( دمشق في عيون الشعر العربي الحديث) من خلال عدد وافر من الشعراء الدمشقيين وغير الدمشقيين من لبنانيين وعراقيين ومصريين وشمال أفريقيين الخ,...ولم ينس الشعر الشعبي الذي نبت كفرع من فروع الشعر العربي الأصيل لما يتمتع به من إيقاع موسيقي, ومن جمال عمومي أكثر منه خصوصي. ولعل كثيراً جداً من هذه الأشعار ترنم بها الاحفاد سماعاً من الآباء والأجداد, أو دخلت في المناهج المدرسية, وهاهي تسيل الآن عذوبة وشفافية من حناجر المطربين والمطربات والأبرز منهم هي فيروز بالذات. وهؤلاء ليسوا باقة من الشعراء بل هم حقل واسع تضيع فيه البحوث والتعريفات, ويتخفى ليظهر في الدواوين والموسوعات, وليعلن عن نفسه في أي من المناسبات. وهل هناك مناسبة أغلى من أن تتألق دمشق كعاصمة ثقافية لترد إلى هذه الذاكرة هؤلاء الشعراء ظلالاً وأفياء.. ولتترد في الأسماع ليس بالإيقاع الموسيقي فقط بل بالإيقاع الشعري الذي يدل على انتقاء بارع لتلك الأسماء, ولرصد أبرع لقصائد بعينها هي خالدة مادام الخلود لهؤلاء الشعراء. فتحية للزميل الذي أعد هذا الكتاب ولعله لايكون رسالة بلا جواب. |
|