|
على الملأ لن نتوقف عند هذه التفاصيل لنعرض أسباب استمرار هذه الحملات ولنبين أنه إلى جانب كل المنجزات والشواهد الحية على التصحيح المجيد, كان هناك بعداً لا يقل أهمية عن مفردات عملية النهوض الشامل والتحول النوعي هو أن الحركة التصحيحية أسهمت في تكوين وعي المجتمع وتثميره. فإذا كان صحيحا أن الحركة التصحيحية أحدثت تغييرات حقيقية على المستوى الداخلي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا سعيا لتحقيق مصالح الشعب والمجتمع , إلا أن الصحيح أيضا أنها حملت أفكاراً ورؤى قومية واستراتيجية تفاعل معها المجتمع العربي ونخبه الفكرية والثقافية الأمر الذي أسهم في إحياء القضايا القومية وشعور الالتزام بها. سورية خلال العقود الماضية (38 عاماً) شهدت نهوضاً تنمويا شاملاً واستقراراً مكتملاً لازمه التزام مطلق بقضايا الأمة, ودور رائد في التصدي للعدوان والاحتلال, فكان التقدم على هذه المحاور أو المسارات سبباً لاستهدافات قوى الهيمنة وعملها المستمر في محاولات لاضعاف دور سورية والتأثير على قدراتها الاقتصادية والسياسية. تعددت الحملات وتناسلت تحت عناوين مختلفة لكن ذلك لم يكن إلا أمراً يزيد في تماسك وصلابة موقفها ولم يكن إلا حافزاً لتحقيق المزيد من التحولات الداخلية بالاعتماد على الذات, وهنا سر قوة وقدرة سورية, ذلك أن النهوض والاستقرار هما قوة الدفع الذاتية التي تمنح القوة تلقائيا للموقف السياسي. وعي هذه المعادلة والحفاظ عليها لاشك أنه هو ما جعل سورية دولة ذات ثقل نوعي عربيا وإقليميا, لها دورها ومكانتها في معادلات الحرب والسلام ومعادلات التوازن الاقليمي والدولي, وإدراك الأثر المتبادل بين طرفي معادلة النهوض والاستقرار والصمود والقدرة على التحدي هو ما أسهم في تكوين وتشكيل الوعي القومي العربي. من هنا يمكن القول: إن الحركة التصحيحية المجيدة لم تكن مجرد حركة داخل تنظيم حزبي سعت لتصحيح الأوضاع المحلية أو الحزبية, وإنما هي حركة انطلقت بأمل وثقة لاحداث تغيير في الفكر السائد والواقع القائم بعد أن عمدت إلى تحليل علمي وموضوعي لواقع سورية الداخلي آنذاك وللواقع العربي بصورة شاملة. |
|