|
دراسات ولم تكن عبارة- العداء للسامية- في أحدث تعريفات لها والتي تتضمن مجرد توجيه الانتقاد لاسرائيل إلا لإخراس واسكات هذا النوع من الانتقادات الحادة والآراء اللاذعة. هذا هو مغزى وفحوى ما أرادت الكاتبة البريطانية جاكلين روز أن تشدد عليه. والجدير بالذكر أنه بعد ساعات قليلة من وقوع تفجيرات لندن في الآونة الأخيرة, أصدر رئىس الوزراء الاسرائيلي شارون قراراً لوزراء حكومته يدعوهم فيه بالكف عن التعليق على تلك الأحداث لأنه أدرك أن ضباطه وقادته العسكريين ووزراءه سيجرون مقارنات بين الذي حصل في العاصمة البريطانية لندن, وما يرونه من هجمات المقاومة التي تتعرض لها المدن الاسرائيلية من وقت لآخر من قبل المقاتلين الفلسطينيين. وبدا له أن مقارنة كهذه ستنتهي إلى خاتمتها المنطقية التي يمكن صياغتها بالتالي كما تقول جاكلين: ها أنتم تنظرون إلى الإرهاب كما نراه ونعيشه نحن الآن! لكن ليست هذه هي العبارة التي تهم شارون كثيراً أو تثير قلقه وحساسيته الدبلوماسية فالوجه الآخر من المقارنة لابد أن يقود حتماً إلى رسم خطوط وحدود فاصلة بين نوع الإرهاب الذي تواجهه وتحاربه بريطانيا, وتلك الحرب التي تشنها اسرائىل ضد الفلسطينيين, وبالتالي إثارة الأسئلة حول مدى عدالة الحربين!? وإذا كان شارون يرفض من حيث المبدأ التعريف الذي صاغته الكاتبة جاكلين عن الصهيونية, فما هو التعريف الذي يتبناه هو بعيداً عن الجهاديين والأصوليين الإسلاميين? إن الإجابة على هذا السؤال محرجة وعسيرة, طالما لاك هذا التعبير كل من أصدقاء اسرائىل وأعدائها على حد سواء لعدة سنين حتى ثارت- الفوبيا- phobia وهي الكره والخوف غير المبررين من لمس مجرد لمس زجاجته.. عسى أن تنكسر, فيتدفق ما بداخله من عسل أو سم زعاف! لكن هناك من يغامر بلمس هذه المحرمات والممنوعات ومساء لتها من طراز الباحثة الأكاديمية جاكلين روز, فالكتاب بكامله مناقشة وتحليل نقدي, لا يعرف التزلف ولا المهادنة, لمجمل مفاصل ومكونات الايديولوجية الصهيونية التي قامت عليها اسرائىل. هذه الايديولوجية لها مقومان رئيسيان: هما اللاهوت اليهودي وسيكولوجية- الجيتو- اليهودي القائمة على الشعور العميق بالظلم والاضطهاد. وقد سيطر هذان المكونان على فكر وعقول آباء الصهيونية ومهندسيها الأوائل منذ تيودور هرتزل الصحافي والمبشر النمساوي المعروف خلال القرن التاسع عشر, الذي راوده حلم طوباوي بإقامة دولة (مثالية) لليهود, لكنها في الوقت نفسه كانت ذات منحى ديني, لكونها تستمد تفويضها وشرعيتها من التعاليم اليهودية. ولكن سرعان ما استقوى دعاة الصهيونية وتمردوا على واقع - الجيتو- الأوروبي الذي ازدروه أيما ازدراء, لما ينطوي عليه من ضعف واستسلام واستكانة لواقع الاضطهاد.لذلك لم يكن غريباً أن يبدل الكثير منهم أسماءهم ولغاتهم اليهودية في مختلف أرجاء القارة الأوروبية إلى أسماء ولغات عبرية صرفة. كما هجروا أكاديميتهم وتعلقهم وتشبثهم المفرط بنمط الحياة المدنية العصرية وهكذا سادت بينهم النزعة الماضية ولوعة الحنين إلى عالم الأسلاف والأجداد, غير أن الذي حدث للأجيال اليهودية الشابة التي عاشت في بدايات القرن العشرين, هو أن الحملة الطويلة التي قادتها في سبيل انتزاع القبول الأوروبي لها, لم تنته إلا إلى ذوبان مأساوي في طوفان من- العداء للسامية- ومن هنا بالذات, ساقت المؤلفة مقارناتها بين وحشية حكومة الرايخ الثالث الألمانية ضد اليهود, والوحشية التي تعامل بها اسرائيل خصومها الفلسطينيين,أن تعيد دولة اسرائيل انتاج مأساتها الخاصة, على نحو أو آخر, كما يحصل في أساليب معاملتها للفلسسطينيين- كما تقول- جاكلين روز- فذاك عين الحرام والمأساة. ثم تضيف - روز- إلى هذا الاستنتاج استنتاجاً آخر ملخصه أن اليهود طالما نظروا إلى الفاشية على أنها أقصى ومنتهى درجات الشر البشري على الإطلاق, لكن ومع الأسف أن دولتهم ترتكب من وجهة نظر كثيرين الأعمال الفاشية ذاتها التي يدينها ويبغضها اليهود إلى أبعد الحدود. |
|