تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رفيق سبيعي...لم أستطع الحصول على صديق

تجارب شخصية
الاثنين 10/9/2007
براء الأحمد

وسط ظروف قاسية تتربع على عرشها حالة الفقر ومجتمع لا يعترف بالفن شق طريقه الوعر لم يمنعه ترك الدراسة من المرحلة الابتدائية من الدأب على القراءة والمطالعة, والتعرف إلى الآداب العالمية, في ذاكرته وتجربة حياته خزان لصور ومسيرة الفن السوري منذ أربعينيات القرن المنصرم بنجاحاته وإخفاقاته..

فنان أعطى الكثير لفنه وجمهوره.. يعتبر صديقه الوحيد عمله ألا وهو الفن إنه الفنان رفيق سبيعي.. تجربة زاخرة بكل المواقف ولعل ما يجعلها غنية رحلة العذاب الطويلة التي عاشها إلى أن أتى اليوم المنتظر وقطف فيه سبيعي نتائج تعب وإصرار سنوات طويلة.‏

ولادتي كانت في بيئة متحفظة أولاً وفقيرة ثانياً ومن هنا بدأت الصعوبات.. والدي كان فقيراً وليس على مستوى عال من التعليم يعمل في شركة لشحن البضائع وما زالت أذكر صوراً في مخيلتي عن المتاعب التي كان يعاني منها ليجني القروش القليلة ليغطي نفقة عائلته,لذلك لم أستطع متابعة التعليم وتركت المدرسة بعد حصولي على الابتدائية وتوجهت للعمل وعملت في عدة مهن وكنت أفشل المرة تلو الأخرى, كنت أحب الغناء وأتصيد المناسبات لأظهر قدراتي ولكن بقيت المتاعب تلاحقني لأن الذي يحاول أن يكون فناناً في ذلك الوقت يعتبر إنساناً شاذاً, فالفن كان (شيئاً معيباً) ولم أستطع التخلص من تسلط عائلتي إلا عندما تركتهم وصممت على الاعتماد على نفسي بعد سن 17-18 وبدأت رحلة الكفاح والاعتماد على النفس حيث تابعت الفرق الفنية التي تتجول بالمحافظات وتقدم أعمالاً متنوعة على مسارح البلدات السورية حيث شاركت كممثل ومغن وبعدها اتجهت للتمثيل كمحترف وشاركت مع الفرقة التي يديرها المرحوم سعد الدين بقدونس, وهكذا بدأت رحلتي الشاقة مع التمثيل فالصعوبات التي واجهتنا إضافة إلى اعتبار الجمهور للفن بأنه نوع من التسلية أيضاً إن الدولة غير معترفة بذلك واستمر حالي على هذا المنوال حتى تم إنشاء مديرية المسارح في وزارة الثقافة حيث توسط لي المرحوم (حكمت محسن) والتحقت بفرقة المسرح القومي, وفي عام 1959 بدأت اتلمس الطريق الصحيح, ولكن أهلي ظلوا يعارضون هذا المسار. ولذلك غيرت اسمي ليصبح (رفيق سليمان) كي لا أسبب المتاعب لهم.‏

وشاركت بمسرحيات للأدب العالمي وفي هذه الفترة نهلت من الثقافة المسرحية ما أهلني لأن أكون واحداً من الممثلين البارزين في المسرح القومي. واستمر الحال حتى سنة 1963 ودخولي الإذاعة.‏

دونت ذكرياتي اولا لاقدم تجربتي الشاقة حيث قطعت طريقا طويلا وشاقا كي أصبح فناناً في زمن لم يكن الفن فيه يعدني بأكثر من الشقاء الدائم والفقر الأبدي والمعاناة المتصلة وثانيا رغبتي ايضا في إطلاع الأجيال الشابة على هذه المحطات ليدركوا حقيقة المعاناة التي عاشها جيلنا قبل أن ينجح في الارتفاع بمكانة الفن في مجتمعنا وليذكروا حقيقة الدور الذي لعبه جيل الآباء في حياتهم.‏

فقد كان الفن هاجس يؤرقني لدرجة أنني لم ارى سوى هذا الطريق, ولإيماني أنه سيأتي يوم أقدر أن أثبت أقدامي وأكون واحداً من الفنانين.‏

أهم نقطة تحول في مسيرة حياتي ايجادي مكاناً في المسرح القومي لأنها أدخلتني الأجواء الفنية والدرامية بقوة وثبات وفيما بعد استطعت أن أقدم شخصية (أبوصياح) التي استمرت بالصعود.‏

هذه الشخصية ساعدتني في إيجاد قاعدة جماهيرية بالنسبة لي. أحبها الناس وكنت قريباً منهم ومن خلالها كان يتم إيصال مقولة ما إلى أكبر شريحة من المجتمع حيث الناس يستمعون إليها أكثر.‏

كثيرون من الأشخاص الذين مدوا يد العون لي إيماناً بموهبتي وإني قادر أن أجد لنفسي مكاناً بالوسط الفني,أمثال (حكمت محسن) استاذي بالفن الشعبي وهو أول من كتب لي شخصية (أبو صياح).‏

والصداقة عملة نادرة وهي برأيي عطاء بدون مقابل وهذا نادر الوجود ولست الوحيد الذي يؤمن بذلك, وبتجربتي الطويلة التي عشتها ولمست أنه من الصعب أن نجد صديقاً نعتمد عليه في الأمور الشخصية والمهنية. ولكن قد نجد زميلاً نتبادل معه المجاملات لتسيير أمور الحياة وبكل مسيرة حياتي لا أعتقد أنني استطعت الحصول على صديق يشاركني همومي وأشاركه معاناته وخاصة متطلبات الحياة أصبحت أصعب والإنسان أصبح أقل قدرة على ممارسة حياة مستقرة وهادئة وسط زخم العولمة التي يعيشها فكل علاقاتي مع الآخرين كانت نتيجة المصلحة المشتركة. فالحياة بزخمها تجعلنا لا نفكر بصداقة صافية خالية من المصالح.‏

وصديقي هو الجمهور الذي يشجعني دائماً ويساعدني على تحقيق ما أحلم به, وبكل تواضع, وصلت لمرحلة لم أكن أتوقع الوصول إليها.‏

-- لاسرتي وزوجتي خصوصاً دور إيجابي عندما تتفهم وضع المهنة ولاسيما الفنان, وزوجتي ضحت بالكثير من أجل استمرار حياة هذه الأسرة, كنت أسافر لعدة أشهر وكان لدي خمسة أولاد, وعندما أعود أجدهم كما تركتهم, كان دورها فعالاً في حياتي وهي رفيقة طريقي الطويل وأي نجاح كنت أحققه تعتبره نجاحاً لها ولأسرتها وكانت هي المسؤولة عن تربية الأولاد في الوقت الذي كنت مشغولاً دائماً عنهم في صعودي لسلم الفن.‏

لكن وفاة زوجتي كانت تجربة مرة وشكلت لدي فراغا مازلت ألمسه حتى الآن, ولم أشعر بقيمة الزوجة الحقيقية إلا بعد وفاة زوجتي, خمسون عاماً معاً, وفجأة غابت وشعور كبير بالكآبة لا يمكن وصفه, أعيشه عندما أسترجع الذكريات.‏

وكثيرة هي الأشياء التي تحزنني ولا سيما عندما نحسن إلى إنسان ما بشكل مقصود أو بعفوية ويقابل ذلك الإحسان بالإساءة وهذا حصل معي وبتعاملي مع الآخرين. ويحزنني أننا لانجد من نلجأ إليه في الأوقات الحرجة, إذ أصبح ذلك معدوماً حالياً.‏

انصح بالتواضع, فهو الطريق للتقدم بالعمل وايضا بالإصرار والتصميم فهما حافزان ليقدم الإنسان شيئاً لم يستطع غيره أن يقدمه.‏

-- تجربتي متواضعة وحسب الإمكانيات التي أتيحت لي وقتها وإذا كان هناك من يحاول أن يسبر أغوار هذه التجربة فسوف يستفيد منها للوصول إلى الأفضل والأحسن.‏

-- ليس لدي أي هواية سوىالفن و كنت أتمنى أن أكون عازفا مبدعاً على آلة العود, ولكن انشغالي بالتمثيل منعني من متابعة هوايتي, وبين الحين والحين, اختلي بنفسي وأحتضن آلة العود لأعبر عبر دندناتي البسيطة عما أشعر بداخلي.‏

-- مشكلتنا بالعالم العربي, أنه مازال الكثيرون يعتبرون الفن نوعاً من التسلية, والتقدير للإبداع قليل جداً, إلا عند فئة قليلة من المثقفين والعازمين والمقدرين لوظيفة الفن السامية. وتوجد نظريتان الأولى: الفن للفن والأخرى تقول الفن للمجتمع, فالفن للفن تتبناها الشعوب الواعية والمتقدمة حضارياً والفن والإبداع شيء يخص الفن نفسه.‏

أما في بلادنا,فأنا أؤمن بأن الفن للمجتمع ونحن نعمل في هذا المجتمع الذي يعتبر الفن لإمتاع النفس فقط, وهذه المعاناة التي يعيشها الفنان في بلدنا, وأعتقد أنا وأمثالي من الفنانين أننا نقدم في مسيرتنا التضحية في سبيل ارتقاء مجتمعنا والوصول للهدف الأساسي الذي هو الارتقاء بالمستوى الثقافي وفهم الفن كما يجب.‏

والنصيحة الوحيدة التي أقولها للفنان إنه عندما يقدم عملاً ناجحاً نسبياً, ألا يقف عند هذا النجاح طويلاً, بل يحاول التفكير أنه سيقدم الأفضل, لأن الوقوف عند نجاح معين هو (الغرور). وعليه ألا يستعجل الشهرة والانتشار وليكن الاختيار دقيقاًً فالشهرة ستأتي إليه إذا كان فناناً حقيقياً وألايبيع نفسه مهما كان الثمن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية