تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العرب وروسيا...المصالح المشتركة

شؤون سياسية
الاثنين 10/9/2007
مصطفى انطاكي

العلاقات الروسية- العربية في القرن العشرين هو عنوان الكتاب الجديد للمؤلف جورج كتن وهو من اصدار مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية حيث يرى المؤلف أن على العرب أن يتعلموا الابتعاد عن الولايات المتحدة. , وعلى الروس تعلم الدرس نفسه.. وعلى الطرفين التقارب مجددا.. ليستطيعا اعطاء نكهة متميزة.. وأكثر إنسانية لعالم الغد.

فما يربط بين السياسات الخارجية لدولة ما خيط يظهر أحيانا, ويختفي أحيانا أخرى رغم وجوده المستمر وعبر مختلف الأنظمة السياسية.. هذا الخيط هو المصلحة القومية للدولة المعنية وهو ما تحرص عليه جميع الدول.‏

في أي علاقة لا بد من طرفين.. وطرفا موضوع هذا الكتاب هما: الطرف الروسي وهو الأكثر فاعلية والأقوى عسكريا واقتصاديا وهو الذي يدير اللعبة والطرف العربي , الشريك الأصغر الذي تصدر عنه ردود أفعال في معظم الأحيان لأنه لم يملك النظام المتكامل الذي يحسن إدارة علاقاته لتخدم مصالحه القومية كما يفعل الجميع ولم يستطع العرب استخدام مبادرتهم الذاتية في بدء العلاقات أو قطعها في توسيعها أو تقليصها إلا حسب مصلحة النظم الآنية دون أي مراعاة واضحة لمصالحها الوطنية والقومية.‏

والاعتقاد الجازم أن الانكفاء الراهن لا يعود فقط لانهيار الاتحاد السوفييتي والمشكلات الداخلية شبه المستعصية التي تلته فقط وإنما للتغييرات التي حصلت في الدول العربية أيضا لمصلحة تمتين العلاقات مع الغرب.‏

عام 1721 انصب اهتمام روسيا القيصرية مذ عهد بطرس الأكبر وكاترين الثانية للوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط ملتقى الطرق العالمية ولتعزيز نفوذها في الشرق العربي وللحد من النفوذ الانكليزي والفرنسي فيهما.‏

وعندما جاءت ثورة تشرين الأول 1917 بدأت بتغيير أسس السياسة الداخلية والخارجية وكان نشر المعاهدات دعاية سياسية شبه وحيدة تجاه الشرق.. كما كان دعم الثورات الوطنية في المنطقة فاعلا ومؤثرا وخاصة أن لينين اعتبر الصهيونية في جوهرها خاطئة ورجعية بصورة مطلقة, وفي المرحلة الستالينية كانت سياسة روسيا الخارجية متأرجحة وغير متوازنة.‏

بعد خروج الاتحاد السوفييتي منتصرا في الحرب العالمية الثانية بدأ يتصرف بوصفه دولة عظمى كانت سياسته في منطقة الشرق الأوسط تتمحور حول (التقارب مع دوله وإقامة علاقات صداقة وتعاون - إزالة الاستعمار من المنطقة وإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة- إثارة الصعاب في وجه الغرب بالمنطقة للحيلولة دون تطويقه بالأحلاف والقواعد العسكرية- اعترف النظام السوفييتي بحقوق كل من إسرائيل والفلسطينيين ودافع أمام مجلس الأمن في 29 تشرين الثاني 1947 عن تقسيم فلسطين وعن حق اليهود فيها على أساس تاريخي وإنساني كان تضامن الاتحاد السوفييتي مع حركات التحرر الوطني العربية شكليا لفظيا دون تقديم المساعدات.‏

عام 1955 بدأ الاندفاع السوفييتي باتجاه الشرق الأوسط بدعم سياسي وعسكري خاصة إلى مصر وسورية.. وبتأييد للحركات الوطنية إجمالا ضد سياسة الأحلاف الغربية وباشر بتبادل العلاقات الدبلوماسية مع عدد من الدول العربية وبعد عدوان السويس عام 1956 أثبت الاتحاد السوفييتي وجوده كقوة عظمى يحسب حسابها في المنطقة العربية . وفي عام 1958 استقبلت موسكو وحدة مصر وسورية دون حماس.. ورأى السوفييت في الحرب العراقية- الإيرانية فائدة لهم.. ولكن هذه السياسة أضرت في الواقع بمصالحهم.‏

انقسمت الدول العربية في علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي إلى ثلاثة فرق:‏

الفريق الأول: إقامة علاقات قوية مع الاتحاد السوفييتي مع السعي لتنمية وطنية مستقلة غير متقطعة مع السوق العالمية.‏

الفريق الثاني:المحافظة على علاقات طبيعية مع الجانبين السوفييتي والأميركي والاعتماد على القطاع الخاص في التنمية مع الاندماج بالسوق العالمية.‏

الفريق الثالث: الاعتماد على النموذج الاقتصادي للفريق الثاني واختلفت عنه بسياساته المعادية كليا للاتحاد السوفييتي والاعتماد كليا على الصداقة والتعاون والتحالف مع أميركا. كانت ميزة المساعدات العسكرية (الأسعار المخفضة, والشروط الميسرة وتدريبات البعثات العسكرية وإرسال فنيين وخبراء وتطوير المؤسسات العسكرية.. وبذلك أصبح الاتحاد السوفييتي المورد الرئيس للأسلحة لكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث.‏

أما السياسة العامة لجمهورية روسيا الاتحادية فقد تمحورت حول مرحلتين:‏

الأولى: شهدت روسيا في عهد الرئيس بوريس يلتسين أسوأ فترة في تاريخها الحديث إذ سلم يلتسن مقاليد البلاد لفئة طفيلية قامت بالسطو على الأموال العامة وباعت ثروات البلاد للغرب بأسعار بخسة ودمرت الصناعات وهربت الأموال للخارج وقدم يلتسن تنازلات سياسية وعسكرية كبيرة للولايات المتحدة والغرب لإخراج روسيا من أزمتها الاقتصادية, إلا أن هذه التنازلات كانت دون ثمن كاف.‏

الثانية: أتى اختيار يلتسين لفلاديمير بوتين خلفا له لمواجهة ثلاثة أخطار أساسية هي ( انهيار روسيا بسبب أزمتها الاقتصادية, وانهيار الاتحاد السوفييتي إثر اندلاع حرب الشيشان. وخطر عودة الشيوعيين إلى السلطة وقدم بوتين أداء مختلفا في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية‏

إن العرب لا يزالون بحاجة لعلاقة متينة وصادقة مع روسيا الاتحادية للحد من تبعيتهم للولايات المتحدة التي لن تبقى القطب الوحيد في العالم لأن هذا يتناقض مع الطبيعة التاريخية للحضارة البشرية حتى اليوم.. إننا بالتعاون مع روسيا وباحترامها لمبدأ المصالح المتبادلة يمكننا إيجاد مكان لنا في مستقبل الحضارة الإنسانية, وهو أيضا ما سيساعدها في سعيها لإقامة عالم متعدد الأقطاب.‏

كتاب جيد استطاع الكاتب أن يقدم عرضا ناجحا لمجمل العلاقات الروسية - العربية وآفاقها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية