|
مجلة الحوادث تحية إلى (وزارة الثقافة) السورية التي قامت. كما طالعت في الصحف, بتكريم الأديب المبدع ياسين رفاعية الذي أعطى الأدب العربي الكثير على طول حوالي نصف قرن وعرضه وعمقه, وليله ونهاره وشمسه وثلجه وزلازله وعواصفه. وتحية أيضاً إلى (اتحاد الكتاب العرب) بدمشق الذي شارك في التكريم بقوة ناهيك عن النقاد والأدباء وأساتذة الجامعات والعديد من الأدباء العرب الكبار الذين حضروا من الأقطار كافة وبينهم من يستحق هو نفسه التكريم (أذكر على سبيل المثال لا الحصر الأديب العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي جاء من تونس متحاملاً على وعكة صحية ليكون إلى جانب أحد رفاق العمر والحرف الكبار). أما د.رياض نعسان آغا وزير الثقافة فقد أكد في كلمته حرصه على تكريم المبدعين (لأنهم يمثلون الوجه الحضاري للأمة). وتكريم ياسين هو تكريم للأديب العربي الحقيقي عامة أينما كان وكيفما كان.. أي المسكون بهاجس الكتابة والإبداع عمراً بعد آخر. صدقاً بعد آخر, جرحاً بعد آخر, موتاً بعد آخر. وياسين رفاعية أعطى بيروت الكثير من حرفه وحبه وعمره وكان من بعض النسغ الإبداعي الذي أضاء شهرتها كعاصمة أدبية للتعددية الأبجدية وللحرية.. فمتى تكرم بيروت رفاعية بدورها? أم أن بيروت مشغولة بجراحها ورغيفها وهمومها الكثيرة? وهل التكريم فرض كفاية متى قام به البعض سقط عن الباقي? على أي حال حضر لبنان الحبيب في شخص مندوبين استثنائيين كميشال جحا وعبد المجيد زراقط. وحضرت دمشق في مثل شامي عتيق. كانت جدتي تردده (لايحن على العود إلا قشره)! الذين يرون في الظلام طالعت الكثير مما كتب عن تكريم ياسين رفاعية.. ومختارات من بعض الكلمات الرائعة أدبياً ونقدياً وفنياً التي ألقيت. ولفتتني حادثة انقطاع التيار الكهربائي في (عز) التكريم بينما د.حسين جمعة (رئيس اتحاد الكتاب العرب), يلقي كلمته ودهشة الحاضرين لأن الأديب جمعة واصل القراءة وسط الظلام (كأن شيئاً لم يكن) وهو أمر لم يدهشني,فالأديب وحده قادر على أن يرى في الظلام ولذا فهو البوصلة. وعلى الصعيد الشخصي, من أسباب حبي للبوم أنه يرى في الظلام كالمبدعين, لكن المبدع يبصر خارطة الزمن, وهذا مافعله رفاعية في عطائه, ولم تضع منه البوصلة الروحية يوماً على كثرة الإغراءات, بل ظل مدافعاً شرساً عن الحقيقة مهما كلفه الأمر من (جرجرة) حتى إلى المحاكم أحياناً. توقفت أيضاً عند ما طالعته من كلمة حسن حميد (فلسطين) من أن رواد القصة القصيرة في سورية كانوا جماعة وليس فرداً.. وهذا صحيح وجميل.. فالإبداع عمل فردي لكنه يزدهر في مناخ جماعي من الجنون البريء الجميل... والرغبة في تجاوز الذات والزمن. مبدع مشاكس للبشاعة تحدث الناقد عبد الله أبو هيف عن استقلالية رفاعية وبعده عن (القبلية النقدية) حيث يقول:(كتب عن أدباء لا يعرفهم, وعن أدباء لا يوافقهم الرأي وغالباً ما جمع في مقالة أو أكثر بين أدباء من اتجاهات متعارضة أو من انتماءات مختلفة. وفي ذلك تكمن قوة رفاعية الأدبية الفنية, فهو عميل ولكن للحقيقة وللصدق, كأي مبدع حقيقي والثمن باهظ. ولا أحسد الاستاذ غسان كلاس الذي قدم قراءة فيها رصد (بيوغرافي) لأعمال رفاعية- فما أكثرها- وأغناها أيضاً في حقول شتى كالرواية والقصة والشعر والنقد الأدبي والمقالة.و.. وذلك بدءاً بكتابه الأول النبوءة الأليمة التي صدقت:»الحزن في كل مكان) حتى كتابه الأخير الأليم أيضاً,»الحياة عندما تصبح وهماً). في الشام تتعطر لغة الكلام الكلمات التي ألقيت في التكريم على طول يومين كانت لأدبيات وأدباء على مستوى رفيع وبينهم مبدعون حقيقيون, وتستحق أن يتم جمعها في كتاب كشهادة على عشق أمتنا للعطاء الحقيقي وتقديرها له. ومن بينها كلمات طالعت موجزاً لها وهزتني مثل كلمة الأديب السعودي المرهف عبد الله الناصر الذي قال:في الشام تتعطر لغة الكلام, ولا عطر بعد عطر العروس... بما في ذلك التذكير بأن أول أبجدية في التاريخ ولدت في رأس شمرا حيث أم الحضارة, وكانت أوروبا تشد الرحال إليها يومئذ وفي الشام »تتعطر) لغة الكلام, و»تتعطل) أيضاً على طريقة ما جاء في قول الشاعر »وتعطلت لغة الكلام...)!!! وتحدث الناصر بعدها عن رفاعية وعطائه. فمبارك لياسين بهذا التكريم الجماعي وعسى أن يضم هذه الكلمات النقدية الراقية كتاب يصدر قريباً. أين الشاعرة أمل والشابة لينا? أصدقاء عديدون قالوا لي إن ياسين كان دامعاً وحزيناً خلال تكريمه. وهو حزن لا يدهشني ولا أزعم أنني أعرف سره! ولكنني كروائية فضولية سأحاول تفسيراً ما. - التفسير الأول الافتراضي لحزن ياسين رفاعية في ليالي تكريمه الشامية تلك, هو افتقاده لشريكة العمر على طول حوالي أربعة عقود الشاعرة الراحلة أمل جراح...وافتقاده لكريمته الشابة الأم لطفلين لينا التي اختطفها المرض اللعين وهي في عز الصبا.. وكان التكريم يكتمل بحضورهما. -التفسير الثاني الافتراضي هو حزنه لأن ما نحلم به يصل دوماً متأخراً, هذا بينما رمل الزمن ينزلق من بين الأصابع. وعبثاً نقبض عليه. وأحباب الأمس يهربون إلى دهاليز الذاكرة على عكاكيزهم المضيئة المكسوة بالأزهار الربيعية. - التفسيرالثالث هو أن للتكريم دائماً طعم الوداع والتكفين للذكريات في إناء الرماد الخزفي. - ثمة تفسيرات افتراضية أخرى رابعة وخامسة ولكن المجال لا يتسع لتلك التفاصيل شبه الروائية كلها... وربما أضحى الحزن طريقتنا في التعبير عن الفرح بعدما نسيناه. أو كدنا في -دروب التعب والغربة ولم نعد نتقن التعامل معه. |
|