|
الخليج لأن هذا المبدأ يعتبر أحد أهم الدروس المستخلصة من تجربة الحرب العالمية الثانية. الى جانب هذا المبدأ كانت هناك مبادئ أخرى مثل حل الأزمات الدولية بالطرق السلمية, وتكثيف التعاون الدولي وغيرها, لكن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية أخذ يتراجع منذ نهاية النظام العالمي ثنائي القطبية وتفرد الولايات المتحدة بزعامة النظام العالمي الجديد الذي أراد بعض الأمريكيين, خاصة تيار المحافظين الجدد, جعله نظاماً امبراطورياً أمريكياً. وبدلاً من الالتزام بعدم التدخل تزعم الأمريكيون الترويج لدعوة التدخل وهم في سبيلهم الى جعل الدعوة (حق), أي تحويل (دعوة التدخل) إلى (حق التدخل). في البداية روج الأمريكيون لدعوة التدخل لأسباب إنسانية, وتم تحديد هذه الأسباب في التصدي لعمليات التطهير العرقي الذي تتعرض له بعض الأقليات. ولكن تبني الإدارة الأمريكية لاستراتيجية (الضربات الاستباقية) أو (الضربات الوقائية) ثم وقوع كارثة تفجيرات 11 سبتمبر 2001 جعل الأمريكيين أكثر حرصاً على امتلاك حق التدخل ليس لأسباب إنسانية كما كان يشاع قبلها ولكن لأسباب تتعلق بالمصالح الأمريكية وبالأمن القومي الأمريكي وبفرض الزعامة الأمريكية المطلقة على العالم الذي تحول, في مفهومهم الى (مزرعة أمريكية) يفعلون به ما يشاؤون. الغزو الأمريكي للعراق كان التجسيد العملي لهذا التحول من دعوة التدخل لأسباب إنسانية الى (حق التدخل) الأمريكي لمصالح أمريكية. زيارات الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين الأمريكيين المفاجئة لقواعد عسكرية أمريكية في العراق من دون اعتبار للسيادة الوطنية العراقية نموذج صارخ لانتهاك مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. الأسوأ من هذا كله أن يطالب الأمريكيون دول الجوار الإقليمي للعراق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. يقولون هذا ويطالبون به وهم يحتلون العراق ويسيطرون عليه ويصادرون سيادته الوطنية, ويستخدمونه درعاً متقدمة للدفاع عن الأمن القومي الأمريكي حسب مزاعمهم. الأخطر أن هذا السلوك يتطور ويتجه الى التعميم, فالرفض الأمريكي لما يسمى بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية نموذج آخر للدفاع عن »حق التفرد الأمريكي بالتدخل) في شؤون لبنان وغيره من الدول. فأي دور لأي دولة وأي نفوذ لأي دولة في إحدى الدول يراه الأمريكيون تدخلاً مرفوضاً في الشؤون الداخلية لهذه الدول, أما كل ما يقومون به هم من ممارسات تصل الى درجة الاحتلال الرسمي كما هو في العراق فليس تدخلاً أجنبياً في الشؤون الداخلية للدول. هذه التطورات من شأنها أن تحدث انقلابات في القانون الدولي تنتهي فيه كل دعوة للمساواة بين الدول سواء كانت قوية أم ضعيفة, كبيرة أم صغيرة, كما تنتهي فيه سيادة الدول وتصبح مفتوحة لكل من يقدر وكل من يريد, بما يعني التحول الى قانون آخر هو قانون القوة, وعندما ينتفي أي احترام لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. |
|