|
شؤون سياسية في تفسير حملة التخويف ثم تجويفها وسحب فتائلها الكثير من الاحتمالات بينها أن الحملة مقصودة من وزارة الحرب الإسرائيلية للتأثير على مزاج الرأي العام وعلى الحكومة بقصد لجم التناقضات ووقف تداعيات الحياة السياسية بعد الفشل في حرب تموز وسعي لترميم معنويات الجيش والمجتمع وإلزام الحكومة والكنيست بتخصيص وزارة الحرب بمبالغ طائلة في الموازنة تحت الضغط والتخويف لتحقيق موازنة هائلة لترميم الجيش المنهار والمتداعي وبقصد استعادة دور المؤسسة العسكرية في حكم اسرائيل وتقرير سياساتها وانتظام عناصرها وبنيتها. أعلنت وزارة الحرب الاسرائيلية سحب الذرائع وتخفيف حالة الاحتقان مع سورية لأسباب أخرى كانت قد نبهت لها الصحافة وكتابها الاستراتيجيون والخبراء العسكريون عندما أيقنوا بأن سورية صارت قوة قادرة على جعل أي حرب معها مقبرة لاسرائيل وإنهاء شروط وجودها واستمرارها وهز استقرار المنطقة برمتها واطلاق ديناميات تغيير نوعية في بنيتها ونظمها وجغرافيتها فتحولت المساعي العدوانية سريعا الى غزة والضفة الغربية وبدأت حملة منظمة في اطلاق اشارات عن أن عملا ما بات قاب قوسين في الضفة وغزة, عملا عسكريا نوعيا يجري التحضير له لتحقيق سلسلة أهداف في آن: -استباق مفاوضات أولمرت أبو مازن خاصة وأنها تلامس قضايا الحل النهائي. -استباق انعقاد مؤتمر الخريف الذي يستعجله بوش لأسبابه ويريده مهرجانا سلاميا يتسلح به في مواجهة الرأي العام والكونغرس الأميركي يبغي من خلاله إنهاء ولايته بأي انجاز ولو شكليا فيحتاج الى منشطات توفر للمؤتمر فرصة تحقيق شيء وذلك مرهون بتوجيه ضربة قاتلة للمقاومة الفلسطينية تمهد الطريق أمام اطلاق ديناميات تسوية على قياس أولمرت بوش في مضمونها التصفوي للقضية الفلسطينية, وإنهاء قضية القدس والعودة والحدود بما يؤمن الاستقرار لإسرائيل. -يزداد ويتعاظم تخوف أجهزة الأمن الاسرائيلية كما تفيد تقاريرها من خطر حماس في الضفة التي نجحت في تأمين بنية تحتية صلبة قادرة على قلب الموازين عند أول انعطافة اضطرارية أو قرار تتخذه المقاومة لأسباب وطنية وقومية وقد تعززت قوتها ونفوذها العملي على الأرض بعد حسم معركة غزة ونجاحها. -الشعور المتزايد لدى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية بأن حماس والمقاومة تزداد قوة ومنعة وتسليحا واستعدادا لمواجهات حاسمة قد تخرج منها منتصرة على غرار انتصار المقاومة في تموز مع تلاشي قدرات السلطة وجهاز الرئاسة وعجز حكومة فياض عن معالجة الأزمات. -تدرك اسرائيل وعسكرها وأجهزتها الأمنية أن الزمن يعمل في غير صالحها وقد صدرت عشرات التقارير الاستراتيجية التي تتعامل مع احتمال هزيمة أميركا في العراق أو مفاوضة أميركا لإيران وسورية على أنها بمثابة تحولات استراتيجية نوعية خطيرة في مفاعيلها وآثارها على مستقبل اسرائىل مع صدور العديد من الكتب والتقارير الأميركية والأوروبية التي تتعامل مع اسرائيل على أنها عبء استراتيجي على الغرب لم يعد قادرا على تحملها في وقت تنحسر فيه فرص التسويات وقبول اسرائىل في المنطقة وتطبيعها الأمر الذي يستعجل عملا نوعيا قد يكون ذا طابع عسكري على الأغلب يستهدف حماس في غزة بعد أن تراجعت احتمالات وامكانات استهداف ايران أو سورية أو لبنان. مؤشرات واستعدادات وبيئة متصاعدة تنذر باحتمال ارتكاب اسرائيل حماقة تسعى إليها مضطرة سعيا لتحقيق نصر أي نصر تحاول عبره استعادة وهم قوة الردع لتخويف العرب والمقاومات ودول الممانعة عمل يجب أن يستبق التطورات المرتقبة في الساحتين العراقية واللبنانية والجاري فيهما ينذر بتحولات كبيرة في غير صالح اسرائيل ومستقبلها مع ما قد يتركه من آثار هيكلية على المنطقة وتوازن قواها ومسارات أحداثها وتحولاتها وفي أولها تصعيد وتعميق الأزمة الوجودية التي تعيشها اسرائيل بعد هزائمها المتراكمة. ماذا لو اعتدت اسرائيل على غزة? ماذا سيكون? وماذا على عرب الشعوب والمقاومات والممانعة? برغم وجود عناصر كثيرة تفيد بأن العدوان سيكون مغامرة حمقاء لن تحصد منه اسرائيل سوى الخيبة المريرة وفي فلسطين هذه المرة بعد لبنان, بيد أن المأزق الوجودي الذي تعيشه اسرائيل وحاجتها الماسة وخوفها من التطورات الآتية وسياقاتها قد يدفعها الى مغامرة بأمل أن تحقق شيئا يغير من الاتجاهات الجارية في الأحداث. إذا عزمت اسرائيل وباشرت العدوان وهي بكل الأحوال تعمل على توفير عناصره وبيئته ستكون في غزة مواجهة لا تقل أهمية عما كان في حرب لبنان وقد استعدت المقاومة ليوم الحساب القاسي, ستصمد, وستفاجىء العدو بمفاجآت كثيرة في ميدان المعركة وفي القدرة على الصمود وعلى إلحاق الخسائر الفادحة بالقوات المهاجمة وسترجم المستوطنات بالصواريخ التي باتت وفيرة وبنوعيات جديدة في مداها وقدراتها التدميرية ودقة الاصابة على ما تقوله التقارير الاسرائيلية, وستشتعل الضفة الغربية بحسب تقديرات التقارير نفسها التي تشير الى امتلاك حماس بنية تحتية صلبة وقوية ووجود أكثر من 80 ألف قطعة سلاح ونجاح المقاومة في نقل تقانة تصنيع الصواريخ والأنفاق الى الضفة وستضرب المقاومة في قلب الكيان الصهيوني بالصواريخ وبالعمليات الاستشهادية بعد أن بنت قوتها وشبكاتها لتنفيذ هذا النوع بعد تجميده لأسباب تكتيكية وعملانية. هذا في المواجهات المباشرة في ميدان المعركة أما في التأثيرات فستكون معركة غزة الشرارة التي تطلق حراكا شعبيا عربيا نوعيا مختلفا هذه المرة. فالحركة الاسلامية الناشطة والوازنة في دول الاقليم وفي دول الجوار والتي على تماس مباشر مع ما يجري في فلسطين لن تستكين ولن تبقى مكتوفة الأيدي لأن ذلك يسقطها ويجعلها في نكران لتحالفاتها ولمهامها ولأسباب وجودها أصلا. خط اسرائيل في العمليات العسكرية منذ حرب تشرين 1973 حتى اللحظة خط الهزائم التي تتراكم والهزائم الصغيرة بذاتها تجتمع لتشكل هزيمة كبيرة وقد تكون الحرب على غزة شراراتها بداية الهزيمة الكبرى. * كاتب لبناني |
|