تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بائع الأوهام ... الوهـــــم الصهيونـــــي المتبـــــدد

دراسات
الجمعة 23-1-2009م
معن بشور

أثبت أولمرت في خطبته التي أعلن فيها وقف اطلاق النار على غزة من جانب واحد، أن لاشيء يضاهي شهوته إلى القتل وارتكاب جرائم الابادة الجماعية سوى قدرته على قلب الحقائق وتضليل مواطنيه والعالم بأسره..

كما أثبت أولمرت الخارج بعد أيام من رئاسة وزراء العدو أن ما من شخص يعادله في الفشل والخيبة سوى صديقه بوش الخارج من البيت الابيض موشحا بأكاليل الهزيمة في العراق وافغانستان تماما كما كان مصير مغامرات اولمرت غير المحسوبة في لبنان عام 2006 وفي قطاع غزة عام 2009.‏

فصناعة الأوهام وبيعها باتت اختصاصا صهيونيا واميركيا مميزا، كما صناعة الموت والدمار التي تحاول معها حكومة تل ابيب وادارة واشنطن تغطية تراجعا متصاعدا في القدرات الاستراتيجية على تغيير معادلات في الارض وكسر إرادة الشعوب.‏

فأولمرت الذي حاول الهروب من مأزق أدخل فيه كيانه الغاصب عبر الاعلان عن وقف اطلاق النار من جانب واحد، حتى دون الاشارة الى القرار الدولي 1860، سيواجه مأزقا آخر لن يخرج منه إلا بالاعلان عن الانسحاب الكامل من قطاع غزة من طرف واحد، وإلا برفع الحصار وفتح المعابر من طرف واحد أيضا، أي بالاعلان من طرف واحد على فشله في حرب لم تحصد من الانجازات الا قتل هذا الكم الهائل من الشهداء بين اطفال غزة ونسائها وشيوخها وابنائها المدنيين.‏

فالصواريخ الفلسطينية التي ادعى أن حربه الفاشلة استهدفت وقفها كانت تواكب فقرات خطابه وتليه في اعلان فلسطيني صريح عن سقوط اول اهداف عملية الانقضاض الوحشي على غزة..‏

والمقاومة التي اعلن اولمرت أنه قضى على القسم الاكبر من قدراتها القتالية سارعت إلى مطاردة قواته الغازية في كل ربوع غزة لتضطرها إلى بدء الانسحاب السريع كما رأينا في بيت لاهيا وحي الزيتون.‏

وحماس التي وعد وزراء اولمرت بالإطاحة بحكمها واجتثاث قدراتها خرجت من المحرقة التي هدد بها نائب وزير دفاعه قبل اشهر، اكثر قوة، واكثر تمثيلا لشعبها واكثر احتضانا من جماهير امتها وأحرار العالم، حتى إن للفصائل الفلسطينية التي كانت متحفظة اساسا على المشاركة في الانتخابات والحكومة، كحركة الجهاد الاسلامي، اعلنت على لسان امينها العام عن تأييدها الكامل لحكومة حماس واعتبرتها الحكومة الشرعية للشعب الفلسطيني.‏

ولا اعتقد ايضا أن صهيونيا واحدا سيصدق أن التفاهم الامني بين رايس- ليفني هو انجاز لحكومة أولمرت، خصوصا أن من وقعته من الجانب الاميركي كانت قد بدأت تحزم حقائبها لتخرج بعد ساعات من منصبها ، فيما العالم كله يعلم أن التفاهم الاميركي- الاسرائيلي كان سابقا لحرب اولمرت الثانية، وكان ممهدا لها وكان وراء الضغط الشديد على العديد من حكومات العالم لكي تمتنع عن ادانة العدوان والعمل على وقفه الفوري.‏

كما لا اظن أن صهيونيا واحدا داخل الكيان الغاصب أو خارجه سيبتلع كذبة اولمرت انه اوقف النار بعد اتصالات من زعماء اوروبيين، طالما تجاهلت تل أبيب وجودهم واستخفت بهم، بل سيبتلع كذبته الأخرى بأن وقف اطلاق النار جاء تجاوبا مع نداء الرئيس المصري حسني مبارك، كأنه يريد أن يقول إن رئيس اكبر دولة عربية كان موافقا على استمرار العدوان الوحشي لأكثر من ثلاثة اسابيع، وفي ذلك القول اتهام صريح للرئيس المصري في وقت كان اولمرت يحاول استيعاب غضبة القيادة المصرية التي رأت في الاتفاق الامني بين واشنطن وتل ابيب غدرا، كما رأت فيه، محاولة انتهاك فاضح للسيادة المصرية عبر ارسال قوات دولية إلى ارض الكنانة.‏

أما حديث اولمرت عن اداء جيشه الرائع في هذه الحرب، فهو ومعه وزير حربه الأكثر إدراكا لحجم التململ داخل ضباط هذا الجيش الكبار والصغار من استمرار حرب غامضة الاهداف بل حرب عاجزة عن تحقيقها بل إن هذا التململ هو الذي منعه مع مجلسه الامني المصغر من اتخاذ قرار بدخول المرحلة الثالثة في حرب لم يكن فيها سوى مرحلة وحيدة، هي مرحلة القتل الجماعي والابادة الوحشية والتدمير الممنهج لغزة البطلة، بشرا وحجرا، مدارس ومستشفيات جوامع وجامعات مؤسسات وطنية ودولية، بيوتا ومبانٍ، صحفيين ورياضيين ، اطباء ومسعفين.‏

ولو اتيح للقيمين على موسوعة غينس المختصة بالارقام القياسية أن يحددوا الخطاب الاكثر امتلاء بالاكاذيب في العالم لما وجدوا خطابا يستوفي شروطهم اكثر من خطاب اولمرت الاخير الذي سجل تفوقا حتى على خطب جورج بوش الابن عشية حربه على العراق، وخلال سنوات احتلاله لهذا البلد العربي المهم.‏

ومن لايذكر خطاب بوش الشهير من على متن مدمرة اميركية في الاول من أيار عام 2003 الذي اعلن فيه انتهاء الحرب الاميركية على العراق وتحقيق المهمة ليكتشف العالم كله، وخصوصا الاميركيين، أن حربا طويلة قد بدأت بعد أن بدأ العراقيون حربهم على جيش الاحتلال بكل ما يرافقها من خسائر بشرية واقتصادية وإستراتيجية واخلاقية حولت الولايات المتحدة في العالم من الدولة الاكثر قوة في العالم إلى الدولة الاكثر نبذا وكرها من شعوب العالم كله.. في حرب تموز 2006 اراد اولمرت أن ينتقل من مرتبة رئيس بلدية القدس ليدخل نادي القادة التاريخيين للكيان الصهيوني، فإذا به يجد نفسه أمام المحققين في الشرطة الاسرائيلية.‏

وفي حرب غزة عام 2009 ظن اولمرت انه قادر على أن ينجو بجلده من تهم الفساد التي تحيط به متحصنا بصورة (البطل) فإذا به يجد نفسه ومعه كبار معاونيه والمتعاونين معه، مهددا بالمثول امام المحاكم الجنائية الدولية والوطنية، بعد أن اصدرت محكمة الضمير الانساني اقصى احكامها عليه وعلى معاونيه وتم تنفيذ هذه الاحكام في الشوارع العربية والاسلامية والعالمية. فهل نحن امام بائع أوهام من (الطراز الرفيع).. أم نحن أيضا امام «الوهم الصهيوني المتبدد» وهو بالمناسبة اسم العملية البطولية التي نفذها المقاومون الفلسطينيون في صيف 2006 وأدت الى أسر جلعاد شاليط والذي لم تستطع عملية اولمرت الناجحة في غزة «أن تعثر عليه».‏

وهل يستعيد الفاقدون ثقتهم بقدرات امتهم على المقاومة بعض الثقة فيتخذون مواقف حاسمة تعيد بعض ثقة شعوبهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية