|
ثقافة واقفة كالأشجار صامتة. إن هي إلا قبيلة من الجن، أسقطتها قافعة من السماء، على شفير هذه السواقي كأودية لابدلك على ما تمعن شمس الصيف شمالا من أن تفترض أن هذه الأودية هي قادمة من شمال أو منتهية إلى شمال في الصيف إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، قريبا أو بعيدا! ذلك ما حسبته، حين بتنا الليل، في ناحية من المغرب العربي، تسعة أشخاص نشم رائحة ملحة، مرة، تكاد تكظم الأنفاس ومرة تفتحها إلى ما لا نهاية أشخاص كأن لهم هيئة رسمية، عرضوا علينا المبيت في «كاسي» أول ما كان يذكرها الذين رزقوا العودة إلى الضيعة من هجرة إلى الأرجنتين ، في عشرينيات وبعض ثلاثينيات القرن العشرين، بعض أولئك كانوا يذكرون الكاسي بمعنى دار واسعة الغرف في جوانبها يتكدس في الواحدة منها، المهاجرون بالخمسات والعشرات يباتون الليل بالأجرة، إلى الصباح رباح!.. ولكن في هذا المكان من المغرب، فهمنا الكاسي بعمى غرفة في فندق. أو نزل، بتسمية بيروت تضب ستة أولاد بامرأتين ورجل واحد، ولكن المغاربة، إذ رأونا بسيارة وخيمة وحمولة، اختاروا لنا قرنة إلى جانب حائط كحاجز. جلبوا لنا ماء أشاروا لنا إلى ما يظن أنه مطعم وما أخلونا من تفقد أحوالنا، بما يظن دوريات بوليس مدني حتى أغمض الأعين، منتصف الليل، وكانت الدهشة أن نكتشف في الصباح، أن رائحة الملح. إنما كانت لشط المحيط الأطلسي فكبر المغرب في أنفسنا وأعيننا، كبر ذلك المحيط وقدرنا للمغرب، بما يسمى السهر على سلامة وراحة النزلاء العابرين مثلنا! وظل ذلك كبيرا في تقديرنا إلى أن رأيناه يصغر في منتجع تازه. حيث أنزلنا في ثلاث غرف وعرضت علينا سائر الخدمات بالمجان. فكان الذين تلونا بالنزول من الأجانب، بقية ذلك الليل، حتى هممنا بالرحيل صباحا يترددون علينا بالسؤال، غير مصدقين، أن ذلك بالمجان! (سيلي) |
|