تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التانغو تبدلات في الخارطة الاجتماعية

ملحق ثقافي
2018/10/9
التانغو هي واحدة من الرقصات الأكثر انتشاراً وشهرة في التاريخ الحديث،نشأت من شوارع القرن الثامن عشر في بوينس آيرس في الأرجنتين ومونتيفيديو في أوروغواي كرقصة مفضلة للمهاجرين الأوروبيين، والعبيد السابقين، والطبقات العاملة والطبقة الدنيا من الناس. أدى الارتفاع السريع في شعبيتها إلى تمكين هذه الرقصة الشهيرة من التوسع بسرعة خارج أمريكا الجنوبية، لتصبح شائعة في أوروبا وأمريكا الشمالية وبقية العالم.‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لا يمكن تحديد أصل كلمة «tango» تماماً، ويعتقد العديد من المؤرخين الحديثين أن العديد من الأحداث والكلمات قد شكلت اسم هذه الرقصة. بعض من أكثر النظريات شعبية هو أن التانغو يشير إلى نمط آخر من الموسيقى التي كانت شائعة في القرنين السابع عشر والثامن عشر في الأرجنتين وأوروغواي، والتي تم أخذها من اللغة الإسبانية حيث رقص التانغو (بأسلوب مختلف كثيراً عن نسخته الحديثة) أصبح شائعاً في القرن التاسع عشر، أو أنها أخذت من بعض لغات النيجر والكونغو في أفريقيا.‏‏

أما مهيمن ملص مؤلف كتاب «التانغو، تاريخه، موسيقاه، رقصه»، فيقول إن معنى كلمة تانغو هي نقطة خلاف بين مؤرخي التانغو فمنهم من يقول «إن أصل كلمة تانغو أفريقي، واستخدمت لتدل على عدة أشياء: المكان الذي يتم فيه الرقص، أو «المرقص» وأيضاً الرقصة بحد ذاتها، وأيضاً طريقة لتسمية الطبول «تان» و»غو» أو بالأحرى صوت طبلين».‏‏

وبغض النظر عن أصولها الدقيقة، بدأ استخدام كلمتي «tango» و «tambo» لتسمية الرقص والتجمعات الموسيقية للعبيد في منطقة حوض نهر بلاتا. عندما بدأ هذا المصطلح يكتسب شعبية، أصبح بسرعة مرادفاً لرقصة التانغو بالكامل وأسلوب موسيقى التانغو.‏‏

يمكن العثور على السجل التاريخي الأول لكلمة «التانغو» في إعلان الحكومة في الأرجنتين بتاريخ 1789 ، والذي تفرض فيه السلطات حظراً على التجمعات الموسيقية «التانغو» التي يرتادها العبيد، وفئات أقل من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الميناء في بوينس آيرس. اكتسب الاستخدام الشائع لكلمة Tango في الأرجنتين قوة جذب بعد حوالي 100 عام ، بالقرب من نهاية القرن التاسع عشر.‏‏

أصل رقصة التانغو‏‏

يقول المؤلف مهمين ملص إن الهجرة تشكل معلماً مركزياً في تاريخ التانغو... لأن وجود المهاجرين قام بتعديل الخارطة الاجتماعية والسياسية، ما أتاح نشوء نوع موسيقي جديد. إلا أن هذا النوع لاقى رفضاً ونقداً شديدين، باعتباره مهاجراً وينبغي رفضه وإدانته.‏‏

يستعرض المؤلف في الفصل الثاني ارتباط الشعر برقص التانغو، ويقول: «ارتبط تاريخ التانغو، مذ تحول إلى أغنية، بالشعراء مثل سيليدونيو فلوريس وكاتولو كاستيجو وهوميري مانزي وإنريكه ديسيبولو الذين كانوا أكثر من مؤلفين لكلمات أغاني التانغو. لقد كانوا شكلاً من أشكال الاتحاد بين الحياة الشخصية والتاريخ، بين الأسلوب الخاص والشخصي وضرورات التانغو، بين الهواجس الشخصية والرؤيا الاجتماعية للحقبة، بين الكلمة العاطفية واللحن الذي يحيط بها ويغلفها».‏‏

وتعد أغنية الكومبارسيتا أشهر تانغو في التاريخ، وقد كتب باسكوال كونتورسي وأنريكه ماروني الأغنية الأولى، والتي تعرف باسم (لو كنت تدري) عام 1917 ولحنها رودريغز الذي أعاد كتابتها على نفس اللحن عام 1926. وتقول بعض كلمات الأغنية:‏‏

لو كنت تدري‏‏

أني، حتى هذه اللحظة داخل روحي‏‏

ما زال ذاك الحب لك‏‏

من يعلم، لو كنت تدري، أنني لم أنسك أبداً‏‏

ستعود يوماً لماضيك وتذكرني.‏‏

ثم يورد المؤلف نماذج من كلمات بعض أغاني التانغو الشهيرة وشعرائها من أمثال أنخيل فيللولدو، ألفريدو لابيرا، باسكوال كونتورسي، كاتولو كاستيللو،‏‏

أما الفصل الثالث فقد كان تحت عنوان «الموسيقى والغناء»، ودرس فيها تطور أوركسترا التانغو، وتطور الأداء الموسيقي، ثم العصور الموسيقية للتانغو، وموسيقيي ومغني ومغنيات التانغو. وتطرق أيضاً إلى اختلاط التانغو بأنواع الموسيقى الأخرى. وكذلك تأثير التانغو في الموسيقى العربية، حيث قام عدد من الموسيقيين العرب بتلحين أغان عربية الكلام على إيقاع التانغو، وأولهم كان عبد الوهاب عام 1932، «حيث تتالت بعد هذه الأغنية الأغاني الملحنة بمقامات عربية وإيقاع التانغو، واستخدمت هذه الأغاني في السينما العربية خلال فترة 1932 و1950.. وأهم ما كتب أغنية «يا زهرة في خيالي» لفريد الأطرش 1947.. وتابعت أشهر وأهم المغنيات غناء أغان تعتمد على التانغو ولا سيما المغنية فيروز حيث غنت عدة أغان ومنها «ذاكر يا ترى» التي استخدمت لحن أغنية كامينيتو».‏‏

«السينما» كانت هي عنوان الفصل الرابع من هذا الكتاب، وفيه درس المؤلف بدايات التانغو في السينما، وبدأ بشارلي شابلن في فيلم لماكس ليندر. والمثال الأكثر شهرة هو فيلم «الفرسان الأربعة» عام 1920 بطولة رودولفو فالنتينو راقص التانغو الأسطورة.‏‏

ويقول المؤلف عن الفصل الخامس إنه مبني على تجربته الشخصية في تدريب التانغو ورقصه منذ عام 2007. وقد قسم هذا الفصل إلى قسمين، تناول القسم الأول ماهية رقص التانغو، وتناول الثاني: متى وأين يُرقص التانغو.‏‏

إن الاندفاع الأولي لشعبية رقصة التانغو كان مدفوعاً بعواطف الآلاف من الشباب المهاجرين الذين وصلوا إلى الأرجنتين بحثاً عن حياة أفضل. التانغو الأصلية أعيد تشكيلها في شكل عصري، وتمكنت في نهاية المطاف من الاستحواذ على خيال المواطنين الأرجنتينيين الأكثر ثراء، الذين تمكنوا من نشر هذه الرقصة المذهلة حول العالم، بدءاً بزياراتهم إلى باريس في أوائل القرن العشرين حيث كانت هذه الرقصة تتسارع إلى أن أصبحت ضجة بين عشية وضحاها.‏‏

خلقت التانغو من مزيج من الناس من أفريقيا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا وبولندا وروسيا الذين هاجروا إلى الأرجنتين، حيث كان مولدها. وهكذا فقد كانت مزيجاً ثقافياً قوياً جداً، وعرفت في بداياتها بـ «موسيقى المهاجرين». لم يكن لهذا الرقص أن يولد أبداً من دون تأثير المهاجرين الذين وصلوا إلى الأرجنتين في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.‏‏

من أجل تأليف هذا الكتاب، النادر في موضوعه عربياً، استعان المؤلف بعشرات المراجع الأجنبية، وطبعاً لا يوجد أي مرجع عربي. وكذلك فقد سخّر هوسه بهذا الفن الجميل من أجل إنتاج كتاب جامع وشامل حول التانغو.‏‏

مهيمن ملص: هو مهندس اتصالات مواليد دمشق 1953. تعلم رقص الصالونات بين عامي 2000 و2007 وشارك في جميع النشاطات والعروض والحفلات والمسابقات. بدأ ومنذ عام 2005 الاتصال براقصي التانغو الأرجنتينيين، وشارك في المهرجانات الدولية لرقص التانغو في مختلف أنحاء العالم من قبرص واستانبول إلى روما وبوينس آيرس. بدأ عام 2007 بتدريب رقص التانغو الأرجنتيني في المركز الثقافي الإسباني بدمشق. اتبع ورشات عمل في بوينس آيرس مع أشهر الراقصين والراقصات. دعي أثناء تواجده في الأرجنتين من قبل الكلية الأمريكية اللاتينية للعلوم الاجتماعية التابعة لمنظمة اليونسكو لدراسة منهج أكاديمي حول الأصل الاجتماعي والسياسي للتانغو.‏‏

إن هذا الكتاب، هو أول كتاب في هذا النوع من الرقص عربياً، وهو يقدم شرحاً وافياً للتانغو وأصوله وشعرائه وتطوره والبلدان التي انتشر فيها، وتأثيره في الشعر والسينما. لذلك فإنه يؤسس لدراسات قادمة لفن لم يلتفت إليه أحد من قبل في عالمنا العربي، ولم يكن في رفوف المكتبة العربية أي كتاب عنه.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية