تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العرب إلى أين ؟

إضاءات
الأثنين 11-9-2017
د.خلف علي المفتاح

من يراقب المشهدين الدولي والإقليمي يصل إلى نتيجة مفادها أن اغلب دول العالم بما في ذلك الدول الكبرى تتجه نحو التكتل والشراكة والاتحاد بفعل ما تتطلبه الظروف التي فرضتها العولمة وتحدياتها على الجميع

بحيث لم يعد باستطاعة الكيانات الصغيرة والضعيفة اقتصادياً الاستمرار والحفاظ على هويتها الوطنية وقرارها السيادي الكامل، وبالرغم من وعي هذه المسالة على المستوى السياسي ألا أن المشهد العربي بمجمله يبدو عليه السير عكس التيار إن لم نقل إلى مزيد من التشرذم والفرقة والتناحر ولعل ذاكرة نشطة تستدعي العديد من الأمثلة على ذلك سواء ما حدث في ليبيا مروراً باليمن وسورية وقبل ذلك العراق حيث كان تأمر بعض الحكام العرب على هذه الدول لا يقل عن دور القوى الخارجية أن لم يكونوا الأدوات والأذرع لها .‏

لقد أصبحت الساحة العربية خلال السنوات الماضية ساحة اشتباك دولي وتقاسم نفوذ بين القوى الكبرى تعيد إلى الذاكرة حال العرب بعيد الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية مع اختلاف بسيط في أولويات اللاعبين والقوى الصاعدة المؤثرة في المسرح دونما اختلال هيكلي في ذلك ولكن الضحية هي ذاتها لا بل أن ما انتهجته اتفاقية سايكس بيكو أصبحت في ظل ما يجري راهناً متقدمة كثيراً على ما تشهده الساحة العربية لجهة بقاء الدولة الوطنية ضمن حدود معينة، فالخطر اليوم يكمن في محاولات تفتيت الدولة الوطنية وإعادة إنتاجها وتقسيمها على حوامل دينية ومذهبية وعرقية وجهوية وغيرها .‏

إن عدم وعي طبيعة الأخطار التي تواجه الأمة العربية أو وعيها دونما مواجهة حقيقية لها على المستوى القومي هو عملية انتخار بطيء للجميع وعلى التسلسل، فالدومينو الذي لم ينجح بالفعل الخارجي بعد احتلال العراق بفضل الصمود السوري وشجاعة وصلابة موقف السيد الرئيس بشار الأسد أمام الضغوط الأميركية يبدو اليوم ممتلكاً حظاً من النجاح بفعل صراعات وتناقضات الداخل والاستثمار في قوى الإرهاب العالمي على قاعدة اقتل عدوك بيده دون تحمل كلفة بشرية ثبت أن الغرب غير قادر على تحمل فاتورتها البشرية حيث مازالت صور الجنود الأميركيين القتلى في العراق وأفغانستان حاضرة في وعي الرأي العام الأميركي والغربي على وجه العموم ما يحول دون حصول مغامرات من هذا القبيل ارتبطت بنهج المحافظين الجدد إبان حكم جورج بوش الابن .‏

إن سيطرة العقلية القبلية والثأر على بعض حكام المنطقة وارتباطهم وجوداً وعدماً بالقوى الخارجية وتنفيذهم لأجنداتها دون الأخذ بالاعتبار مصالح الأوطان والأمة كان ومازال العامل الأكثر تأثيراً فيما تشهده المنطقة العربية من مآس وصراعات وشلالات دماء يتساوق معها نهب لثروات العرب الاقتصادية من بترول وغاز ومحاصيل أخرى مع سرقة موصوفة لأموالهم عبر صفقات سلاح تحارب فيه طواحين الهواء، لا بل أن أغلبه يصوب لصدور أبناء الأمة العربية والمسلمين على وجه العموم تحت عناوين من قبيل مكافحة الإرهاب وغيرها من عناوين مخادعة وكاذبة يزين بها الغرب الاستعماري مشاريعه التي تريد إعادة إنتاج مفهوم الاستعمار والهيمنة ولكن عبر القوة الناعمة التي يبدو إنها تستثمر في مساحات الجهل والتخلف وغياب التفكيرالاستراتيجي الذي يبدو واضحاً انه غائب أو مغيب عند أغلب حكام هذه الأمة .‏

والحال: وأمام هذا المشهد المأساوي تبدو الحاجة ماسة لتبلور مشروع خلاص عربي حقيقي لمواجهة ما تعانيه الأمة العربية من أخطار وجودية قائمة وليست متخيلة وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة على المستوى القومي تضع في المقام الأول المصالح العليا لأبناء الأمة سواء كان ذلك على المستوى الوطني أم القومي، وفي حال غياب هكذا موقف جاد وواع ومسؤول ستكون الأمور أكثر سوداوية وانحدار، لا نعتقد أن ذلك سيكون في مصلحة احد سوى أعداء الأمة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني .‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية