|
علوم ومجتمع فمن يراقب أحوال الناس في أيام الصيف يلاحظ التبرم من سوء الطقس..والأكثر ضيق الخلق الذي يؤدي في أحيان كثيرة لاندلاع شجار حتى بالأيدي وخاصة بين سائقي التكسي..الذين يقضون نهارهم تحت لفح القيظ والحرارة... ويحدث أيضاً بين الأزواج حيث تضيق مسافة التحمل ومساحة التسامح والروية في التفكير ويرافق ذلك تراجع المشاعر وغورها خلف سحابات الحر الصيفي,يقابله فوران الأعصاب,الذي يجعل كلمة (طالق) أو (طلقني) تنزلق بسهولة من فم الرجل ,وشفتي المرأة. لقد وجدت دراسة علمية أجريت في بعض الدول العربية أن معدلات الخلافات الزوجية تزداد في موسم الصيف بنسبة 65% مقابل فصل الشتاء,وأن فصل الصيف يستحوذ على نصف حالات الطلاق التي تقع على مدار العام,وتقول هذه الدراسات التي أجريت على /1700/أسرة أن السبب وراء هذه الخلافات الصيفية يرجع إلى الحالة المزاجية السيئة التي قد تصيب الأسرة في فصل الصيف لما يصحبه من ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو,والتي تزيد بدورها معدلات ضغط الدم وتصعب عملية التنفس ما يؤدي في النهاية إلى حالة الضيق التي تندلع بعدها الخلافات وقد تكون لأسباب لا تستحق... الأزواج والصيف تقول سمية يزبك (مدرسة):إن الخلافات تزداد فعلاً في فصل الصيف لكن هناك أسباباً أخرى تؤدي إليها..وأهمها الأسباب المادية..فضيق ذات اليد يمنعنا من الخروج والقيام بالنزهات اللازمة لتفريغ شحنات الضجر والملل والحر,وهذا يؤدي إلى ضيق الخلق وبالتالي الشجار لأتفه الأسباب,زوجي يثور عندما يرى كأساً ليست في مكانها,وهو بالأحوال العادية لا يهتم لهذه الأمور.. السيدة مها يحيى ترفض تحميل الصيف المسؤولية,وتقول إن رغبة الزوجين في وجود خلاف أصلاً هو السبب الرئيسي للشجار و(الخناقات) لكن الصيف يزيد من وطيس الخلافات بسبب التوتر الذي تسببه الحرارة...ولكن لا يجب الخوض في موسمية هذه الخلافات لأن الطبيعة البشرية لا تتأثر كثيراً بمسألة ارتفاع الحرارة وانخفاضها.. ويؤكد السيد أحمد ابراهيم أن حالات التوتر والضيق تصيبه أكثر في الصيف,وهو يحاول جاهداً ألا يجعلها تؤثر على حياته وطبيعته بشكل عام,ولكن لشدة التوتر وتغير مزاجه إلى العصبية المفرطة خلال أيام القيظ التي مرت وتمر,فقد طلق زوجته في لحظة غضب وتوتر... يضحك وهو يقول:إنها امرأة عاقلة استوعبت حالتي وسامحتني..ويبدو أنها لم تكن تشعر بالحر مثلي لأنها حاولت امتصاص غضبي وتوتري الذي لم أعرف لهما سبباً مهماً حتى الآن.. أما السيد نصر السعدي فيرى أن الخلافات الزوجية شتوية كانت أم صيفية ترجع لأسباب مالية,فلو كان كل رجل يملك مالاً لوضع في منزله (مكيفاً) واستبرد..ولم يضطر إلى التوتر وضيق الخلق..وأيضاً كان ذهب وعائلته إلى النزهات والرحلات البحرية ليخفف الضغط والتوتر... شباب واكتئاب صيفي تشير الطالبة الجامعية رقية رمضان إلى أن الصيف يدخلها في حالة من التوتر..حتى تصل إلى الاكتئاب..وتقول: إن التغيرات في طبيعة العلاقات الاجتماعية,أفقدت الشباب الثقة بأنفسهم وبمن حولهم,ففقدوا القدرة على التمتع بالحياة,وازدادوا عزلة,وإذا أضفنا إلى هذا حرارة الصيف والفراغ وتراجع النشاط تزيد وتيرة المشاعر السلبية لدى الشباب..وتدفعهم إلى الاكتئاب الصيفي.. الشاب يوسف السعيد,يضحك وهو يقول:اسم على غير مسمى,فأنا لست سعيداً..وكيف لا يتلبسني الاكتئاب? خريج جامعي..ونحن في الصيف وأنا بلا عمل,ولا أطيق الجلوس في البيت,ولا أستطيع التسكع في الشوارع بسبب الحر,أو في الأسواق بسبب (الطفر). ولا أستطيع السفر إلى الخارج كما يفعل الآخرون,فليس من المعقول أن أتسول نفقات الرحلة من والدي.. باختصار..حر وفراغ وطفر يوازي,اكتئاباً صيفياً بامتياز. الطالبة هنادي مرعي تضحك من السؤال عن علاقة الاكتئاب بمعدلات الحرارة..وتقول:اكتئاب الشباب سببه ارتفاع معدلات البطالة لا الحرارة.. ربما في الصيف حيث لا دراسة تزداد حالة الشباب تأزماً..ولكن المشكلة الأساسية التي نعاني منها وتجعلنا نرتمي في أحضان الاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى هي ندرة فرص العمل,وتدهور الأوضاع الاقتصادية وكبت الطموحات,وعدم استثمار قدرات الشباب بشكلها الأمثل وهذا كله يسبب للشباب فقدان التوازن والإحساس بالإحباط والاكتئاب شتاءً وصيفاً وفي كل الفصول. حرارة..ومزاج سيىء يقول الدكتور طلال عيسى اختصاصي أمراض عصبية,إن أسباب ازدياد الخلافات وحالات الاكتئاب في الصيف ترجع إلى حدة المزاج العصبي الذي يصيب الناس,حيث تزيد الحرارة من نسبة إفراز هرمون الأدرينالين الذي من شأنه أن يرفع درجة الإصابة بالتوتر. ويرى د.عيسى أن المناخ يلعب دوراً كبيراً في حياة البشر,لدرجة أن خصائصهم النفسية تتشكل طبقاً للمناخ الذي يعيشون فيه. وفي أساطير الأزمنة القديمة كان هناك آلهة للرعد والإعصار وغيرها..مأخوذة من الطبيعة التي تعد جزءاً من الإنسان,وحدة ارتفاع الحرارة,وارتفاع درجة الرطوبة تؤدي إلى الشعور بالضيق والإنهاك والإحساس بالتعب والخمول,وكل هذا يجعل الإنسان يهرب من ذاته ولا يعرف إلى أين يلجأ? والضغط والتوتر النفسي يجعلان الإنسان لا يستطيع التصرف على نحو هادىء لأن هناك تغيرات فيزيولوجية وكلها تؤدي إلى تغيرات نفسية,فما لا نستطيع تغييره أو التكيف معه,نعاني تجاهه من حالات التوتر وحتى العراك. ولا ينجو الأطفال من المزاج السيء لفصل الصيف,ولكنه يأخذ شكلاً تعبيرياً وسلوكياً وحركياً,فيبدو الملل على الطفل وجسمه متعب,وينقلب سلوكه فيصبح قلقاً وعنيفاً حتى مع إخوته,وقد يفقد شهيته على الطعام,أو تزداد بشكل لافت,وأفضل طريقة لاستيعاب هؤلاء الأطفال والخروج بهم من هذه الحالة..هي ممارسة الرياضة. أما الدكتور عبد العظيم صبحي وهو أستاذ في الطب النفسي فيقول:إن شدة ارتفاع درجات الحرارة تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان,وقد تدفع بعض من لا يستطيع التحمل إلى الانفعال ,والاستثارة بسهولة,لأنه يقلل نسبة الأوكسجين,ويبدأ المخ نفسه يشعر بالتوتر والضيق,فينبه المراكز العصبية,ما يؤدي إلى انفلات الأعصاب وهذا شيء طبيعي. وينصح د.صبحي بالخروج إلى المتنزهات والمصايف وتغيير الجو والتريض,ما يقلل حدة الشعور بتأثير هذه الحرارة المرتفعة.. المهم ألا يترك الإنسان نفسه لهذه الانفعالات الناجمة عن ذلك,لأنها أشياء مؤقتة,يجب أن نتحملها ونتكيف معها,فالجسم البشري يتعود على الفصول الأربعة لأنه بحاجة لهذا التنوع في درجات الحرارة.. ويعترف د.صبحي أن انفلات الأعصاب والتوتر يتخلص منهما من لديه المقدرة المالية,ومن يستطيع الخروج إلى الأماكن الطبيعية وشواطىء البحر,والحدائق رغم قلتها,وكلها مداخل ترفيهية تساعد على تقليل حدة التوتر والقلق الناجمين عن تأثير الحرارة. |
|