|
ثقافة
متجاوزاً بذلك الرؤية الشعرية التي اطلقها في مجموعاته الاربع السابقة,والتي كانت قائمة على ايجاد حالة من الموازنة والمواءمة بين ماهو داخل في إطار التفعيلة وما هو منفتح على تجارب القصيدة النثرية. يجاهر امير سماوي هذه المرة بحريته التعبيرية ليرتمي في فضاء التلقائية النهائية,حيث الرؤية الشعرية هنا تخترق الشكل والمحتوى معاً وصولاً إلى الرؤى الحلمية والخيالية التي تثير الالتباس بحركة الصور المتداخلة إلى حدود المتاهة: في منظر انهطال الجثث اعمدة الدخان تصفي الذاكرة , والطريق انقسم إلى مؤخرة ودوار, والعابر امتطى اطار ايقونةٍ... وهو من هذا المنطلق يبتعد كل البعد عن الاشارات الواقعية المباشرة,ويدخلنا في جوهر الحالة الرمزية وفي تخيلات الصورة السوريالية التي تروي في بعض فصولها مناخ الحكايات الميثولوجية الشرقية,عبر عناصر قديمة وحديثة معاً: ومازلت في شبق استحضار عشتار تنعم بالتدفق في عتمتها الصواريخ تغط في فراشك وسجن غوانتانامو,مرآة جهنم . هكذا آثر امير سماوي الرحيل عن معطيات الصورة الواقعية .كأنه لا يريد تأمل الواقع الانساني المتأزم المفتوح على كوارث الحروب التي لا تنتهي . فالسواد الذي يغلف مجموعته يحمل عتمة احزانه واحزاننا في ازمنة الحروب واهوالها,انه الاسود القاتم المقتطف من اطار الحزن والقلق والموت: افجع مرآةٍ:قبري مرجوم بدموع السواد العام لا صوت لجاهليتي لا ارض تنخب اخطائي ألمع في غموض الاهوال ماحياً وشوم الفرح فالاهوال تخفي الحقيقة,رغم لمعانها المتواصل في اشارات الرموز المنبثقة من معطيات الواقع المفجع والمؤلم: أنا المشع في الماء مرتدياً ثوب ولادتي أحيي صخب الدمى في ظهيرة كثيفة الظلام. وتبرز النزعة الفلسفية المرافقة لكل اعمال امير سماوي الشعرية,والتي يطرح من خلالها تساؤلاته الثقافية وتحولاتها بين الماضي والراهن: اجزم ان النوم المبكر نقيصة وشح,وفوات سلام. ويثير في رمزيته الشعرية تساؤلات صوفية متجذرة في رموز علاقة الموت بالولادة .فهو لا يقع في سكونية البعد المتلاشي في الفراغ والعدم,وإنما يصل بالجوهر الانساني إلى ضفاف الصورة المطهرة المستمدة من تلميحات الثقافة الشرقية ومنابعها الصوفية: هدئ روعك مغموراً بغيث الصليب اقتسم عواء ارضك .. وجنب صوتك حرج التفرج انهكت من شهادة الروح هكذا تظهر تأثيرات واقعنا الراهن في هذه المجموعة التي أسماها( السواد ) على اعتبار ان لهذا اللون علاقة بواقع الحروب والمجازر المتواصلة .لذا يتجه في احيان كثيرة لاطلاق موقفه الساخط تجاه ما تشهده المدن العربية المحاصرة من مآسٍ تقدم يومياً باسم التمدن والحضارة: العين في المخرز والعمى أول النبوءات والإبادة مربط عجز المجازيف ... |
|