تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خزائن التراث الشعبي .. وروائع الإبداع...

ثقافة
الأحد 7/8/2005
ديب علي حسن

يبدو التراث الشعبي مصدراً ثراً للبحث والتصنيف,وليس هذا فحسب بل انه مصدر الإلهام للأدباء والكتاب,وغدت المأثورات الشعبية وكأنها نقوش وزخارف تزين أجمل النصوص الإبداعية في الأدب والفن وغيرها من فنون الإبداع .

الدكتورة حصة سيد زيد الرفاعي,درست المأثورات الشعبية في كتابها الهام والجميل الذي صدر عن دار المدى بدمشق,وقد جاء بعنوان:(المأثورات الشعبية - النظرية والتأويل ).‏

تقول د.رفاعي:هذا الكتاب حصيلة ابحاث تناولنا فيها المأثورات الشعبية تعريفاً وتحليلاً,وأكدنا فيه على دور الإبداع الشعبي الفاعل في تشكيل ملامح الأمة وتحديد هويتها القومية على ضوء ماثقفنا من نظريات ومناهج. وتتوقف د. رفاعي عند الأصوات النشاز التي تدعو إلى وأد المأثور الشعبي وتهميش دراسته, ورأت هذه الدعوات نشازاً في معزوفة الوعي الإنساني الشامل بدور الفولكلور في صون ماضي الأمم والذود عن حاضرها ومستقبلها.‏

أما الذين يرون ان اللغة هي الذريعة للإقلال من الشأن الابداعي الشعبي فهي حجة واهية لا تصمد لدليل,ولاتستقيم لبرهان,فالازدواجية اللغوية سمة خاصة باللغة العربية لا تتعداها للغات أخرى.‏

بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الأنماط الشعبية صيغت بالفصحى والعامية على حد سواء مثل شعر الموال الذي شاع في العصر العباسي وتربع في دواوين بعض شعراء الفصحى .‏

الفولكلور وقضية المصطلح‏

في الفصل الأول تتوقف د. رفاعي عند المصطلح,ورأت ان قضية تعريف مصطلح (فولكلور) التي شغلت تفكير الباحثين على مدى قرنين من الزمن هي قضية تاريخية أكثر منها منطقية,فقد اختلف العلماء منذ بداية الدراسات الفولكلورية حول ماهية المصطلح المركب الذي ابتدعه الباحث الانجليزي وليم جون فونر عام 1846 ليحل محل المصطلح القديم ( الموروثات العامة ) وظهر تبعاً لذلك واحد وعشرون تعريفاً في معجم ( فونك ) يدور بعضها حول مفهوم ( فولك ) بمعنى الشعب ويفسر البعض الآخر معنى ( لور) بإبداع,وبهذا يصبح المعنى ( إبداع الشعب ).‏

من خصائص الابداع الشعبي ..‏

تشير د. رفاعي إلى ان الثقافة الشعبية الغنية بإبداعاتها الفنية الرفيعة أصبحت تشكل ينبوعاً ثراً ينهل منه الأدباء,ويستلهم منه الفنانون في المجالات كافة نماذجهم وصورهم الإبداعية,ولا يفوتنا ان نشير إلى أهمية إدراك الباحثين القدرات الابداعية للفنان الشعبي في جميع أنماط الابداع الفكري والمادي,وقد اكتشفنا قيمة هذه القدرات والمهارات أثناء دراستنا لبعض الفنون القولية كالشعر والغناء والرقص الشعبي وأهمها :‏

1 - قدرة الفنان الشعبي على الارتجال أو الابداع حسب مقتضى الحال كقدرة شعراء (البالاد )‏

وهو فن يشبه الموال القصصي على ابتداع نصوص جديدة في كل مرة ينشدون فيها الأغنية مع المحافظة على الخصائص الفنية التقليدية للبالاد كالتمحور حول حدث واحد..‏

2 - التزام الفنان الشعبي بقواعد تأليف تقليدية ثقفها بالفطرة والمعايشة ومحاكاة أسلافه من المبدعين,إضافة إلى قدرته على الابتكار والتجديد الذي يعكس تفوق الفنان وتميزه عن غيره من المؤدين .‏

3 - قدرة الفنان الشعبي على التأثير في جمهوره والاستحواذ على اهتمامهم بأغانيه أو حكاياته من خلال استخدام أسلوب خاص في الإلقاء يعتمد عنصر التشويق وإثارة خيال السامع كالتلاعب بالألفاظ والتوقف المؤقت عن متابعة الانشاء أو الرواية في المواقف الدرامية العنيفة .‏

0الفولكلور والأدب...‏

ترى د. رفاعي ان الأدب الشعبي حلقة وصل بين أنماط الإبداع الشعبي وأنماط في الأدب الذاتي,ويتفاعل الأدب الشعبي مع غيره من الآداب بصورة مستمرة فكما يعتمد الفنان الشعبي أحياناً على المصادر المكتوبة في استيحاء نماذجه الشعرية والروائية يقوم أدباء معروفون باستلهام أنواع من الأدب المروي وتضمينها مؤلفاتهم, وقد يتجاوز الاستلهام في بعض الأحيان مجال الأدب إلى أنماط فولكلورية أخرى كالعادات والتقاليد ومظاهر الحياة الشعبية,ففي مجال الشعر مثلاً يوظف العديد من الشعراء المحدثين الأسطورة كدلالة رمزية,ويعد شاكر السياب من أكثر الشعراء اعتماداً على الأسطورة ودل استخدام السياب لها على ثقافة واسعة في مجال الأساطير الشرقية والغربية التي اتخذ منها وسيلة للتعبير عن آرائه السياسية, إلى جانب إشارات السياب لبعض العادات والتقاليد المعروفة في البيئة الشعبية العراقية...‏

ويعترف عبد الوهاب البياتي بأنه وجد في التاريخ والرمز والأسطورة ( أقنعة فنية ) للتعبير عن ( المحنة الاجتماعية والكونية ) وغير هذين الشاعرين كثيرون من المبدعين استلهموا الأسطورة والتراث وقدموا أروع النماذج الابداعية .‏

كلمة أخيرة ..‏

الكتاب دراسة تحليلية دقيقة تقدم رؤى إنسانية حقيقية للإبداع الشعبي وتربطه بألوان الحياة كلها,وتعتمد أحدث المعطيات الفكرية وتوظفها في بحثها,بقي ان نشير إلى ان الكتاب يقع في / 211 /صفحة من القطع المتوسط,وقد صدر عن دار المدى بدمشق 2005م.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية