|
معاً على الطريق فأخذوا يتقولون عليه لعدم تمكنه من حضور حفل فني كان متوقعا أن يحضره, بسبب وعكة صحية حالت بينه وبين الحضور, سألت نفسي هل لمثل هذه الواقعة,وهي قابلة للحدوث في كل وقت, أن تترك فرصة للتقول بحق من اضطر لغياب عن حفل أو ما شابه ذلك? أن تؤثر في مفهوم الصداقة بين الناس, إذا كانوا أوفياء لمفهوم الصداقة ومتطلباتها ?. جاء على لسان الفنان أنه يأسف لسقوط هؤلاء الأصدقاء في خندق التنكر للتاريخ الذي يربطه بهم ويربطهم به. وتمنى ,في الوقت ذاته, أن يتمكن من استعادة محبته لمن تنكر له لسبب يبدو له تافها بحق. قال: لكن, كيف يمكن للمحبة أن تولد في نفسي من جديد?. يوم قرأت هذا الكلام للفنان اللبناني, صادرا عن حنجرة جريحة, قلت ,بيني وبين نفسي, لابد أن تبدد الأيام هذا الأثر, فلا تترك تداعياته بصمتها على ساحة العلاقات بين الفنان وصحبه, إلى أن حان زمن جعلنا نفكر: تراها يمكن للمحبة أن تولد من جديد إذا ما تنكر لها يوما أقرب المقربين إلينا, ليس بدافع الحرص عليها ,بل بدافع التشفي أو الشماتة أو الانجراف في تيار الكراهية والبغض الذي كان مخبأ وسرعان ما ظهر إلى العلن?. قد يكون صاحب مثل هذا التصرف على جانب من الموضوعية, ولكن مع ذلك لابد من السؤال عن سر تسرعه في إظهار ما كان مخبأ لديه, من دون أن يقرأ مستقبلا يمكن أن يأتي في وقت ما توضح له أوراقه ما كان غير مرئي, وما لم يكن يستدعي السقوط في التجربة استجابة لرغبة هذه الاطراف أو تلك ممن كانوا يتربصون إلى زمن حانت فيه فرصة القنص والانقضاض .شيء من هذه المعاني, يندرج على ساحة العلاقات السياسية أحيانا, على نحو ما جرى في الزمن الحاضر, فيشوه في الإنسان إنسانيته وثقافته وربما تاريخه, وحينئذ لا يدري أحدنا كم سيطول الزمن لرأب الصدع حتى تعود العلاقات إلى ما كانت عليه قبل حدوث الشرخ في عمقها . إن جملة من هذه الأفكار وسواها لابد أن تراود أحدنا هذه الأيام, وهو يشهد كيف حدث هذا التحول المباغت في عواطف من كان يحفظ ودا لسورية ولا يتردد في إظهار هذا الود في كل مناسبة, فإذا به ينقلب على نفسه قبل أن ينقلب على الغير لاعتبارات وإن بدت موضوعية في جانب من جوانبها, ولكنها لم تكن تستدعي الوصول إلى مرحلة الطعن من الخلف, لقاء أي مقابل, لو أنها قرئت في ضوء ما بذلته سورية في بداية ثمانينات القرن الماضي خصوصا, يوم داست إسرائيل بعجلات دباباتها الغازية أرض بيروت العرب, فكان ثمن التحرير, تحرير الأرض وصون كرامة الأهل في البلد الشقيق, أنهاراً من دماء جند سورية الأسد, بذلت بسخاء, كي لا يكون لبنان كانتونات بل لبنان الواحد الموحد. ونحن نشهد هذه السيناريوهات من حولنا, نتساءل اليوم: ترى أي ثمن يمكن أن يكون أغلى من ثمن الدم عندما يراق من أجل كرامة وطن وذودا عن حاضره ومستقبله ?. في اعتقادنا أن يوماً آتيا لابد أن يجيب عن هذا السؤال ,مهما طال زمن الانتظار .قد تكون ولادة المحبة عسيرة, ولكن يبقى الأمل أقوى من اليأس . |
|