تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هانيبال عزوز.. (سَ).. واحتمالات القراءة

رسم بالكلمات
الأثنين 12-12-2011
سامر أنور الشمالي

(سألعنُ الشعر، كلّما مرَّ طيفكِ. أعض أصابع القصيدة، وأصرخ من وجعي: خذيني إليكِ) ص10.

عنوان المجموعة الشعرية: (سَ)‏

وهو عنوان مباغت نسبياً، و(سَ) في كتب اللغة حرف أبجدي يدل على الاستقبال لدى تصدره الفعل. وفي لغة الرياضيات يشير إلى مجموعة متممة لأخرى ضمن مجموعة أكبر تحتويهما معاً.‏

ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة عناوين الكتب المخالفة للطريقة المتعارف عليها في انتقاء عنوان الكتاب واختياره بدأت تنتشر في الكتب الأدبية، ولاسيما لدى الشعراء الشباب- على الأرجح- طلباً للتجديد مقارنة مع الجيل السابق، أو التمايز عن شعراء جيلهم. ولكن يجب الانتباه إلى أنه يبدو- للوهلة الأولى- أن التواصل مع تلك الكتب محير إلى حد ما، فخطورة هذه العنونة لا تربك القارئ فحسب، بل قد تدل على عدم وضوح الرؤية الشعرية أو الموقف لدى المؤلف، أو أن ثمة نية مبيتة لديه في الافتعال المجاني، أو لفت الانتباه لا غير، أكثر من العمل على اختيار عنوان حقيقي يشير إلى محتوى العمل ومضمونه، فالمفترض أن العنوان هو أول عتبة سردية يجب تخطيها قبل الولوج في النص.‏

(وال (سَ) أنثى، وتشبهكِ.. تقوم بثياب نومها كمشهد قديم... على صيتها انتمى الحرف للكحل،‏

وبها، كم قامر الشِّعر، لأجلكِ، وخسر..! بالأمس حينما قاربتْ لغتي، انتبهتُ.. واليوم كلّما قاربتها، تنهد الغد...!!) ص23،24.‏

أتت القصيدة الأولى من هذه المجموعة الشعرية تحت عنوان (كتاب ال س..) عنوان الكتاب بعموميته غير منفصل عن العناوين الداخلية، كذلك القصيدة التي تلتها حملت عنوان: (هوامش ال س..) لهذا سنجعل هاتين القصيدتين محور اهتمامنا، لعلنا ننجح في فض أسرار العنونات. ولابد من الإشارة إلى أن القصيدتين موزعتان على مقاطع مرقمة، وأن كل مقطع منفصل بذاته، ولا يشترط ترتيباً معيناً، ولكنها تضافرت معاً لتشكل رؤية عامة في النسق العام للنص:‏

(لا أريد التورط بصياغة جديدة لهذه ال(سَ).. إذ كلّما تجرعتُ منها مشهداً.. تنهدتْ سرتك في آخر المجاز.. كلّما ردمتُ هوة وعبرتُ فوقها.. تكسرتْ ضلوعي... كلّما ثقبتُ مطلعاً ونظرتُ منه.. رأيتكِ ترحلين) ص41.‏

بعيداً عن العناوين التي يحوطها التخمين والظن نجد تلك المقاطع القصيرة (التي تشكل القصيدتين) غير مبهمة، خلافاً للمتوقع، وموضوعاتها غير نافرة، وأسلوبها مألوف، وفيها تتعدد الصورة الشعرية دون أن تنأى بنفسها عن السياق الشعري العام بانتكاساته النمطية وتألقاته المدهشة، وبكل ما فيه من خيبات مريرة، وآمال منكسرة، وبوح لا محيد عنه، في حدود تتناول حالات وهواجس إنسانية بسيطة بلغة لا تتعمد التراكيب المعقدة، وتنجو بنفسها من جدليات الماورائيات، أو الأطروحات الفكرية الكبيرة. إنها قصائد مشغولة بالإنسان في حياته اليومية التي يعاني فيها من الاغتراب الاجتماعي، والجوع العاطفي، دون بيان الأسباب التي أدت إلى ذلك، فالشاعر يكتفي بتقديم المعاناة دون طرح آفاق مرتقبة:‏

(العناق المؤجل تغص زواياه بالقتلى.. جدرانه مرشومة بالقصائد.. ستائره بالتعاويذ.. شبابيكه تبكي.. والغريب أنني مازلت أنتظر..!! .... تأتي ولو من موتها، بموتها تجيء..) ص27.‏

لا يغيب عنا أن الشاعر يلتقي مع أقرانه الشعراء في الكثير من الطرق، وأن قصائده بالنتيجة تعتمد على سمات أساسية وعامة في المشهد الشعري المحلي، لاسيما حضور الأنثى التي تظهر بغموض آسر يختزل الرغبة، أكثر من كونها امرأة من لحم ودم. إنها امرأة بعيدة لا يمكن التواصل معها إلا في الحلم، أو الذكريات التي قد تكون غير واقعية بدورها، لهذا تبدو قاسية أكثر مما ينبغي، ليس مع العاشق الذي لا يقترب منها فحسب، بل مع الطبيعة من حولها أيضاً، ربما يختزل في صدره بعض هذه القسوة, فالأنثى المثال حرمته لذة الوصال والحنان، ويمارس العاشق الشاعر سادية على قصيدته، لعل كاتبها أضناه الحرمان حتى تسرب ماء النداوة من بين أصابعه الجافة، وكأن الشعر لا يستر الجراح المتوارية، بل يعريها ليفضح الحزن الدفين كفجيعة لا تندمل: (سترتدي القصيدة متى شاءت.. طويلة، لكنها لا تستر عورة الغياب... سميكة، لكنها تشف عن الروح) ص33.‏

الشاعر (هانيبال عزوز) يمتلك موهبة شعرية غير خافية، ويسعى لخط مشروعه الشعري الخاص، منطلقاً من فطرة الشعر النابتة عفواً كزهرة برية. ولعل من الأنسب ألا يكتفي بذلك، وألا يخلد إلى طموحه الشخصي للتفرد عن أقرانه أو التميز في المشهد الشعري المحلي، بل عليه الاشتغال على قصيدة أشد تكثيفاً، وأكثر غنى، وقابلة لتأويلات متعددة لفتح أبواب الرؤيا الداخلية وعدم حد الرؤية الخارجية بإطارات مضبوطة بدقة من قبل الشاعر المهيمن بقوة على تفاصيل القصيدة وأحكامها.‏

 ‏

المؤلف: هانيبال عزوز‏

العنوان: سَ‏

الناشر: دار بعل بدمشق 2010‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية