تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فـي حديث الحوار

الافتتــاحية
الأحد 27-1-2013
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

يطفو على سطح النقاش الدائر عن الحوار الإصرار لدى جزء كبير من المتحدثين على افتتاحه بتشخيص أسباب الأزمة والأوجه المختلفة لها، خصوصا مع النوافذ الجديدة المفتوحة، والمساحات الوافدة المتاحة.

بداية ثمة حاجة موضوعية للتوقف عند الملاحظة، ليس لتسجيل نقاط، بل لتأمين عبور أمن نحو الضوابط والمحددات العامة التي نحتاج إلى الاحتكام إليها، لبلورة سياق ينتج مناخاً صحياً للنقاش، وبالتالي يمهد بشكل إيجابي الطريق إلى بلوغ عتبة الحوار.‏

فالمسألة لو كانت في التشخيص لحسمت منذ وقت طويل، إذ تتقاطع الكثير من التحليلات التشخيصية عند جملة من العوامل الموضوعية والذاتية بغض النظر عن الخلفيات التي تحكم ذلك التشخيص، وبالتالي من المنطقي أن يكون التشخيص قد انتقل إلى الصف الثاني من الأولويات على حساب تقدم واضح للأفكار التي ستحكم الحوار من منطلق الحاجة الملحة إلى وضع العجلات على السكة الصحيحة.‏

والاستمرار في التشخيص كمقدمة لازمة لكل نقاش أو حوار تمهيدي نعتقد سلفا أنه تكرار يفقد مهمته وفعاليته، ومن يتوهم أنه يعمل من أجل الوقت، أو أنه يراهن على الوقت لكسب أوراق جديدة لا يخطئ في القراءة فحسب، بل في الاتجاه والنتيجة أيضا، ومَن يَفترض أن هذا التشخيص مدخلً -ربما- لتسجيل النقاط مجددا، فالوقت ليس لتسجيل النقاط، بل لإحراز النقاط نحو الحوار.‏

لا ننكر ولسنا بوارد الإنكار أن التشخيص ضرورة من أجل الاستفادة من الدروس والعبر، لكن وبالضرورة ذاتها ليس هو الغاية، بقدر ما يشكل إحدى الوسائل التي يمكن أن تساهم في تهيئة الأرضية الصحيحة لإطلاق الحوار، أما حين تتعدى ذلك فإنها بالتأكيد تأخذ من حساب غيرها، أو تكون على حساب غيرها.‏

في الضفة الأخرى من النقاش ثمة من يريد أن يصادر نتائج الحوار أو أن يضع محصلات نهائية قبل بدء الحوار وهذا أحد العوامل المحبطة التي تطفو على سطح الحديث ذاك، إذ لا يعقل أن تضع النتائج مسبقا ليكون الحوار فقط للصور التذكارية، بل هو حاجة ملحة لتحديد قواسم مشتركة تتلاقى حولها ألوان الطيف السياسي.‏

وهذا يفضي تلقائيا إلى أن المطلوب ليس تصوراً كاملاً للنتائج ولا مصادرة الاحتمالات، ولا تخيل الصورة المثالية فقط، بل ما نحتاجه أن تكون الأجواء التمهيدية عاملا مهما من عوامل نجاح الحوار ليكون قادرا على حسم النقاط الخلافية، أو في الحد الأدنى تحديد التقاطعات الرئيسية التي تقود إلى خلاصات تضع مفاهيم عامة لميثاق وطني.‏

ما نقوله ليس اتهاما، ولا هو استباق لفرضيات لم تطرح حتى الآن، بل إشارات ضرورية في سياق المقاربات المطلوبة التي تتراكم اليوم بحكم تسارع واضح في الخطوات التنفيذية للمرحلة التحضيرية التي تتالت بنودها تباعا، ونستطيع أن نجزم أن المسافات الفاصلة بيننا وبين الحوار تضيق وتصغر، وهذا يحتم تحضير الأوراق لطاولة لم تعد بعيدة، وبإمكان من لا يزال يصر على اجترار التشخيص أن يوظف وقته وجهده في الاستعداد لطرح ما لديه فوق الطاولة.‏

الأهم في هذا السياق أن يكون الحماس الذي نراه في التشخيص هو ذاته في طرح الأفكار، وهو نفسه في تبني الطروحات والتفاعل مع التقاطعات التي رسمتها نقاط الاتفاق الواضحة حتى في التصورات الأولية من اجل حوار سوري نطمح إليه ونعمل من أجله، وعلى طاولته نستطيع أن نضع أوراقنا دون حرج.‏

وماظهر حتى اليوم من تفهم للتفاصيل، يبدو مرضياً وربما مقنعاً أكثر بكثير مما أفصحت عنه ردود الفعل على العناوين، وحين تتحصن التفاصيل في مواجهة الشياطين، ثمة اقتراب موضوعي من شاطئ الأمان.‏

a.ka667@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية